تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وليس الغناء والدف المرخص فيهما في معنى ما في غناء الأعاجم ودفوفها المصلصلة، لأن غنائهم ودفوفهم تحرك الطباع وتهيجها إلى المحرمات، بخلاف غناء الأعراب، فمن قاس أحدهما على الآخر فقد أخطأ أقبح الخطأ، وقاس مع ظهور الفرق بين الفرع والأصل، فقياسه من أفسد القياس وأبعده عن الصواب.

وقد صحت الأخبار عن النبي (بذم من يستمع القينات في آخر الزمان، وهو إشارة إلى تحريم سماع آلات الملاهي الماخوذة عن الأعاجم.

وقد خرج البخاري في ((الأشربة)) حديث عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك - أو أبي عامر - الأشعري، عن النبي (في ذلك، كما سياتي في موضعه - إن شاء الله سبحانه وتعالى.

فقال فيه: ((قال هشام بن عمار)) - فذكره.

وخرجه أبو داود من وجه آخر مختصرا.

وقد بينت عائشة أن الجاريتين إنما كانا يغنيان بغناء بعاث، ويوم بعاث يوم من أيام حروب الجاهلية مشهور.

وباؤه مثلثة وعينه مهملة، ومنهم من حكى أنها معجمة، قال الخطابي: هو يوم مشهور من أيام العرب، كانت فيه مقتلة عظيمة للأوس على الخزرج، وبقيت الحرب قائمة مائة وعشرين سنة إلى الإسلام، على ما ذكره ابن إسحاق وغيره.

قالَ: وكان الشعر الذي تغنيان به في وصف الشجاعة والحرب، وهو إذا صرف إلى جهاد الكفار كان معونة في أمر الدين، فأما الغناء بذكر الفواحش والابتهار للحرم، فهو المحظور من الغناء، حاشاه أن يجري بحضرته شيء من ذلك فيرضاه، أو يترك النكير لهُ، وكل من جهر بشيء بصوته وصرح به فقد غنى به.

قالَ: وقول عائشة: ((ليستا بمغنيتين))، إنما بينت ذلك؛ لأن المغنية التي اتخذت الغناء صناعة وعادة، وذلك لا يليق بحضرته، فأما الترنم بالبيت والتطريب للصوت إذا لم يكن فيهِ فحش، فهوَ غير محظور ولا قادح في الشهادة.

وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لا ينكر من الغناء النصب والحداء

ونحوهما، وقد رخص فيه غير واحد من السلف.

الدين، وحكم اليسير من الغناء خلاف الكثير. انتهى.

وفي الحديث ما يدل على تحريمه في غير أيام العيد؛ لأن النَّبيّ (علل بأنها أيام عيد، فدل على أن المقتضي للمنع قائم، لكن عارضه معارض وهو الفرح والسرور العارض بأيام العيد.

وقد أقر أبا بكر على تسمية الدف مزمور الشيطان، وهذا يدل على وجود المقتضي للتحريم لولا وجود المانع.

وقد قال كثير من السلف، منهم: قتادة: الشيطان قرآنه الشعر، ومؤذنه المزمار، ومصايده النساء.

وروي ذلك من حديث أبي أمامة - مرفوعا.

وقد وردت الشريعة بالرخصة للنساء لضعف عقولهن بما حرم على الرجال من التحلي والتزين بالحرير والذهب، وإنما أبيح للرجال منهم اليسير دون الكثير، فكذلك الغناء يرخص فيه للنساء في أيام السرور، وإن سمع ذلك الرجال تبعا.

خبيث، كسبه بالغناء، نقله عنه المروذي.

وفي تحريم ضرب المخنث بالدف حديث مرفوع، خرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف. فأما الغناء بغير ضرب دف، فإن كان على وجه الحداء والنصب فهو جائز. وقد رويت الرخصة فيه عن كثير من الصحابة.

والنصب: شبيه الحداء -: قاله الهروي وغيره.

وهذا من باب المباحات التي تفعل أحيانا للراحة.

فأما تغني المؤمن فإنما ينبغي أن يكون بالقرآن، كما قال النبي (: ((ليس منا من لم يتغن بالقرآن)) والمراد: أنه يجعله عوضا عن الغناء فيطرب به ويلتذ، ويجد فيه راحة قلبه وغذاء روحه، كما يجد غيره ذلك في الغناء بالشعر.

وقد روي هذا المعنى عن ابن مسعود - أيضاً.

وأما الغناء المهيج للطباع، المثير للهوى، فلا يباح لرجل ولا لامرأة فعله ولا

استماعه؛ فإنه داع إلى الفسق والفتنة في الدين والفجور فيحرم كما يحرم النظر بشهوة إلى الصور الجميلة [. . . .]؛ فإن الفتنة تحصل بالنظر وبالسماع؛ ولهذا جعل النبي (زنا العينين النظر، وزنا الأذن الاستماع.

ولا خلاف بين العلماء المعتبرين في كراهة الغناء وذمه وذم استماعه، ولم يرخص فيه أحد يعتد به.

وقد حكيت الرخصة فيه على بعض المدنيين.

وكذا قالَ إبراهيم بن المنذر الحزامي، وهو من علماء أهل المدينة - أيضا.

وقد نص أحمد على مخالفة ما حكي عن المدنيين في ذَلِكَ. وكذا نص هو وإسحاق على كراهة الشعر الرقيق الذي يشبب به النساء.

وقال أحمد: الغناء الذي وردت فيه الرخصة هو غناء الراكب: أتيناكم أتيناكم.

وأما استماع آلات الملاهي المطربة المتلقاة من وضع الأعاجم، فمحرم مجمع على تحريمه، ولا يعلم عن أحد منه الرخصة في شيء من ذَلِكَ، ومن نقل الرخصة فيه عن إمام يعتد به فقد كذب وافترى.

وأما دف الأعراب الخالي من الجلاجل المصوتة ونحوها فقد اختلف العلماء فيه على ثلاثة مذاهب:

أحدها: أنه يرخص فيه مطلقا للنساء.

كراهة من كره الدفوف لدفوف الأعراب أو لدفوف الاعاجم فيه جرس؟ وقد قيل لأحمد: الدف فيهِ جرس؟ قال: لا.

وقد نص على منع الدف المصلصل.

وقال مالك في الدف: هو من اللهو الخفيف، فإذا دعي إلى وليمة، فوجد فيها دفاً فلا أرى أن يرجع.

وقاله القاسم من أصحابه.

وقال أصبغ - منهم -: يرجع لذلك.

وفي الرخصة في الدف في العيد أحاديث أخر:

خرج ابن ماجه من رواية الشعبي، قال: شهد عياض الأشعري عيداً بالأنبار، فقال: ما لي لا أراكم تقلسون كما يقلس رسول الله (.

ومن رواية الشعبي، عن قيس بن سعد، قال: ما كان شيء على عهد رسول الله (إلاّ وقد رأيته، إلاّ شيء واحد، فإن رسول الله (كان يقلس له يوم الفطر.

قال يزيد بن هارون: التقليس: ضرب الدف.

ومما يدخل في هذا الباب: ما روى حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس، قال: قدم رسول الله (المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((ما هذان اليومان؟)) قالوا: نلعبهما في الجاهلية. فقالَ رسول الله (: ((إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم

الفطر، ويوم الأضحى)).

خرجه أبو داود والنسائي.

اللهم اهدنا فيمن هديت وردنا إليك ردا جميلا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير