مع وجود هذا الكلام من العلماء فيه حاول الشيخ العيني توثيق الرجلين واعتمد على توثيقه علماء الحنفية مثل صاحب لامع الدراري [16] ثم يعارض هذه الزيادة ما ورد في بعض طرق حديث أبي هريرة عن مسلم بن خالد، عن عمرو بن دينار "قيل يا رسول اللّه ولا ركعتي الفجر". قال: "ولا ركعتي الفجر" أخرجه ابن عدي في ترجمة يحيى بن نصر كما ذكر العيني والحافظ ورواه أيضاً الإمام البيهقي في السنن [17] قال الحافظ إسناده حسن.
أقول: مسلم بن خالد تكلم الناس فيه.
وبعد هذا نرجع إلى مذاهب العلماء في الموضوع فنقول: في الموضوع عدة أقوال جعلها الشوكاني تسعة. ولكن يمكن حصرها في أربعة.
الأول: عدم جواز الدخول في النوافل لمن سمع الإقامة سواء كان في خارج المسجد أو داخله، وسواء في ركعتي الفجر أو غيرهما فإن من فعل فقد عصى اللّه ورسوله.
قال ابن حزم في المحلى [18] "فمن سمع إقامة صلاة الصبح، وعلم أنه إن اشتغل بركعتي الفجر فاته من صلاة الصبح ولو التكبير، فلا يحل له أن يشتغل بهما، فإن فعل فقد عصى الله تعالى. وإن دخل في ركعتي الفجر فأقيمت صلاة الصبح فقد بطلت الركعتان، ولا فائدة له في أن يسلم منهما ولو لم يبق عليه منهما إلا السلام، لكن يدخل بابتداء التكبير في صلاة الصبح كما هو ثم قال: وقال الشافعي وأبو سليمان كما قلنا". انتهى.
قال الخطابي في معالم السنن: روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يضرب الرجل إذا رآه يصلي الركعتين والإمام في الصلاة.
أقول رواه البيهقي [19] بدون إسناد، وأخرجه ابن أبي شيبة [20] مسنداً إلا أنه فيه ابن أبي فروة وهو: إسحاق بن عبد اللّه الأسود أبو سليمان متروك قاله أبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، وا لدارقطني، وغيرهم.
ورواه عبد الرزاق في المصنف [21] بإسناد آخر وفيه جابر بن يزيد الجعفي الكذاب.
ويبدو أن القول بالتحريم قاله أيضاًَ بعض السلف كما جزم ابن حزم. وابن عبد البر في التمهيد.
الثاني: الكراهية. وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم منهم: ابن عمر، وأبو هريرة، وسعيد بن حبير، وابن سيرين، وعروة بن الزبير، وإبراهيم النخعي وعطاء.
وإليه ذهب الشافعي وأحمد وابن مبارك وإسحاق وغيرهم.
ففي شرح المهذب [22] مذهبنا أنه إذا أقيمت الصلاة كره أن يشتغل بنافلة سواء تحية المسجد، وسنة الصبح وغيرها.
وقال البيهقي في المعرفة: قال الشافعي: "ومن دخل المسجد وقد أقيمت صلاة الصبح، فليدخل مع الناس، ولا يركع ركعتي الفجر".
وفى المغني [23] إذا أقيمت الصلاة، فلا يشتغل بالنافلة، سواء خشي فوات الركعة الأولى أو لم يخش.
ثم قال: "ولأن ما يفوته مع الإمام أفضل مما يأتي به فلم يشتغل به".
وفي مصنف ابن أبي عيينة [24] وعبد الرزاق [25] عن نافع أن ابن عمر دخل المسجد والقوم في الصلاة، ولم يكن صلى ركعتي الفجر فدخل مع القوم في صلاتهم، ثم قعد حتى إذا أشرقت له الشمس قضاها.
قال: وكان إذا أقيمت الصلاة وهو في الطريق صلاها وهو في الطريق.
وروى عبد الرزاق أيضاً عن نافع أن ابن عمر رأى رجلاًَ يصلي، والمؤذن يقيم. فقال: "أَتصلي الصبح أربعاً"؟
قال معمر: وبلغني عن سعيد بن جبير مثل ذلك.
الثالث: قال مالك: "من دخل المسجد وأقيمت الصلاة، أو وجد الإمام في الصلاة فلا يركع ركعتي الفجر بل يدخل مع الإمام، وأما إذا كان خارج المسجد فعلم بالإقامة، أو بأن الإمام في الصلاة فإن رجا أن لا تفوته مع الإمام الركعة الأولى فليركع ركعتي الفجر خارج المسجد ثم يدخل مع الإمام، فإن لم يرج ذلك فليدخل مع الإمام ولا يشتغل بشيء من النوافل".
وفي المدونة [26] قيل لمالك: إن سمع أحد الإقامة قبل أن يدخل المسجد، أو جاء والإمام في الصلاة، ألا ترى له أن يركعهما خارجاًَ، قبل أن يدخل؟ فهو أحب إلي: ولا يركعهما في شيء من أفنية المسجد التي تصلى فيها الجمعة اللاصقة بالمسجد، وإن خاف أن تفوته الركعة مع الإمام فليدخل المسجد وليصل معه".
ويروى في هذا الموضوع حديث ضعيف عن عبد الله بن عمر أنه قال: سمعت رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يقول: "لا صلاة لمن دخل المسجد والإمام قائم يصلي، فلا ينفرد وحده بصلاة، ولكن يدخل مع الإمام في الصلاة". رواه الطبراني في الكبير.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد [27] فيه يحيى بن عبد اللّه البابلتي وهو ضعيف. انتهى قوله.
وبابلت: قرية بين حران والرقة.
¥