والبابلتي هذا ضعفه أحمد، وابن أبي حاتم، وابن عدي ويحيى بن معين، وهو من رجال النسائي.
وأخرج عبد الرزاق [28] عن نافع أن ابن عمر سمع الإقامة فصلى في الحجرة، ركعتي الفجر ثم خرج فصلى مع الناس.
قال: وكان ابن عمر إذا وجد الإمام يصلى ولم يكن ركعهما، دخل مع الإمام، ثم يصليهما بعد طلوع الشمس "وفى مصنف ابن أبي شيبة أنه كان يدخل في الصلاة تارة" ويصليهما في جانب المسجد أخرى.
وروى الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار [29] عن يحيى بن كثير، عن زيد بن أسلم أن ابن عمر جاء والإمام يصلي الصبح، ولم يكن صلى الركعتين قبل صلاة الصبح، فصلاهما في حجرة حفصة ثم صلى مع الإمام.
قال الحافظ: وقد فهم ابن عمر اختصاص المنع لمن يكون في المسجد، لا خارجاً عنه فصح عنه أنه كان يحصب من يتنفل في المسجد بعد الشروع في الإقامة.
الرابع: وقال أبو حنيفة وأصحابه: أن من دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة للصبح فإن طمع بأنه يدرك مع الإمام ولو ركعة وتفوته الأخرى فليبدأ بركعتي الفجر ثم يدخل مع الإمام، وإن خشي أن لا يدرك مع الإمام ولا ركعة فعليه أن يدخل في الصلاة جمعاً لكلتا المكرمتين والدليل على ذلك ما جاء من الزيادة في بعض الروايات. عن أبي هريرة وقد مضى التحقيق فيها بأنها لا تصح.
وقولهم: إن طمع أن يدرك مع الإمام ولو ركعة فليبدأ بركعتي الفجر، مردود بحديث عبد الله بن سرجس لأن قوله صلى اللّه عليه وسلم. "أو التي صليت معنا" يدل على أنه أدرك الركعتين مع النبي صلى اللّه عليه وسلم، وفرغ من ركعتي الفجر قبل فواته حتى الركعة الأولى.
وقد ذكر الشيخ الطحاوي والعيني بعض الآثار عن الصحابة بأنهم كانوا يصلون ركعتي الفجر والإمام في صلاة الصبح في جانب المسجد والجواب عن ذلك: إن ثبت فعل بعض الصحابة فالنص النبوي مقدم عليه.
ثم ذكر الشيخ الطحاوي تأويلات كثيرة في جواز إتيان ركعتي الفجر وإليكم بعض هذه التأويلات مع مناقشتها.
الأولى: أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كره لابن بحينة وصله النافلة بالفريضة في مكان واحد، لم يفصل بينهما بشيء، وليس لأنه كره له أن يصليها في المسجد إذا كان فرغ منها (ثم) تقدم إلى الصفوف، فصلى الفريضة مع الناس.
واستدل لذلك بحديث يحيى بن كثير عن محمد بن عبد الرحمن (ابن ثوبان). "أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مر بعبد اللّه بن مالك ابن بحينة وهو منتصب (أي قائم) يصلى ثمة بين يدي صلاة الفجر فقال: "لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة قبل الظهر وبعدها واجعلوا بينهما فصلاً" رواه أحمد [30]. بطريق عبد الرزاق أنا معمر، عن يحيى مثله. وإسناده جيد.
ويجاب عن هذا بأنه يلزم أن لا يكون الفصل مطلوباً في سنة الظهر مع فرضها، وهذا لا يقول به أحد.
ثم لو كان الفصل هو المطلوب لحصل ذلك بالكلام، أو تقدم خطوة، ولا يحتاج أن يمشي من مؤخرة المسجد إلى مقدمه.
فلابد أن نحمل حديث ابن بحينة على الفصل بالزمان. يعني لا يجوز لأحد أَن يصلي النوافل في زمان الفريضة التي أَقيمت لها. وهذا مطلوب في جميع الصلوات.
وإنما خص بالذكر ركعتا الفجر لأن القصة وقعت فيهما.
الثانية: أن النهي يحمل على من يصلي النافلة في الموطن الذي أقيمت فيه الصلاة. وعلى هذا يحمل حديث عبد اللّه بن سرجس فإنه صلاهما خلف الناس فكان شبيه المخالط لهم. وهذا مكروه عندنا. وإنما يجب عليه أن يصليهما في مؤخر المسجد، ثم يمشى من ذلك المكان إلى أول المسجد. فأما أَن يصليهما مخالطاًَ لمن يصلي الفريضة، فلا. انتهى.
ويجاب على هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم استنكر على الرجل وقال له: "يا فلان، أجعلت صلاتك التي صليت معنا، أو التي صليت وحدك".
وكان المقام يقضي أن يبين له بأنه إذا صلى بعيداً عن الناس فلا حرج في ذلك ولكنه اكتفى بالإنكار، وإنكاره يشمل من صلى مخالطاً بالناس ومن صلى بعيداً عن الناس.
ثم لفظ الحديث يرد على هذا التأويل أَيضاًَ، لأن الرجل صلى ركعتين خلف الناس، ثم دخل مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في صلاته، فلو كان صلى مخالطاً بالصف ما كان يقال له: ثم دخل.
¥