تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يعضد هذا ما قاله العلماء في كره الواجب، فهناك كره للواجب قد يقع من المؤمن وهو كرهه من جهة ما فيه من المشقة ومن جهة مخالفته لهوى النفس فهذا معفوٌ عنه، ولكن على المسلم مجاهدة نفسه في ذلك، بخلاف كره الواجب من جهة تشريع الله له، فهذه ردةٌ، فكما يكره المريض العلاج المؤلم بطبعه لما فيه من الألم وهو يحبه في نفس الوقت من جهة كونه سببا في الشفاء والعافية، فكذلك المؤمن قد يكره بطبعه القتال أو الصوم أو الحج لمشقته عليه، لكن هو يحبه في الوقت نفسه من جهة أنه سبب نجاته في الآخرة.

ومن هذا قوله تعالى: (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) ولقوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم)

قال القرطبي: وهو كره في الطباع .... وإنما كان الجهاد كرها لأن فيه إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل , والتعرض بالجسد للشجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس , فكانت كراهيتهم لذلك , لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى. وقال عكرمة في هذه الآية: إنهم كرهوه ثم أحبوه وقالوا: سمعنا وأطعنا , وهذا لأن امتثال الأمر يتضمن مشقة , لكن إذا عرف الثواب هان في جنبه مقاساة المشقات، ومثاله في الدنيا إزالة ما يؤلم الإنسان ويخاف منه كقطع عضو وقلع ضرس وفصد وحجامة ابتغاء العافية ودوام الصحة , ولا نعيم أفضل من الحياة الدائمة في دار الخلد والكرامة في مقعد صدق.اهـ

فهذا الكره المعفو عنه يختلف عن الكره المحبط للعمل الذي يكون به الإنسان مرتدا والعياذ بالله تعالى وهو المذكور في قوله تعالى: (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) فهذا الكره ليس لمشقة التكليف على النفس وإنما هو كره له من جهة تشريع الله له، كبغض اليهود والنصارى والعلمانيين لشرائع الكتاب والسنة.

والذي أردت أن أقوله هو أن محبة الحرام ينطبق عليها ما ينطبق على كره الواجب، فما كان من محبة المنكرات جبليا من جهة موافقة المنكر لهوى النفس ولما يترتب على فعل المنكر من مصالح دنيوية عاجلة فلا يكفر صاحبه بشرط اقتران هذه المحبة الجبلية ببغض شرعي للمنكر لعلمه بما فيه من معصية الله وبما يترتب عليه من العذاب الأليم في الآخرة، وعلى المسلم مجاهدة نفسه في ذلك، وما كان من محبة المنكرات من جهة محبته معاندة الشرع ومحبته مخالفة أمر الله ورسوله لذات المخالفة فهو الردة عن الدين، والله أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير