الوجه الثالث والأربعون أنكم أخذتم بخبر لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه لا جمعة إلا في مصر جامع وهو مخالف لظاهر القرآن قطعا وزائد عليه ورددتم الخبر الصحيح الذي لا شك في صحته عند أحد من أهل العلم في أن كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا وقلتم هو خلاف ظاهر القرآن في وجوب الوفاء بالعقد.
الوجه الرابع والأربعون أنكم أخذتم بخبر ضعيف (لا تقطع الأيدي في الغزو) وهو زائد على القرآن وعديتموه إلى سقوط الحدود على من فعل أسبابها في دار الحرب وتركتم الخبر الصحيح الذي لا ريب في صحته في المصراة وقلتم هو خلاف ظاهر القرآن من عدة أوجه.
الوجه الخامس والأربعون أنكم أخذتم بخبر ضعيف بل باطل في أنه لا يؤكل الطافي من السمك وهو خلاف ظاهر القرآن إذ يقول تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه فصيده ما صيد منه حيا وطعامه قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما مات فيه صح ذلك عن الصديق وابن عباس وغيرهما ثم تركتم الخبر الصحيح المصرح بأن ميتته حلال مع موافقته لظاهر القرآن.
الوجه السادس والأربعون أنكم أخذتم وأصبتم بحديث تحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير وهو زائد على ما في القرآن ولم تروه
ناسخا ثم تركتم حديث حل لحوم الخيل الصحيح الصريح وقلتم هو مخالف لما في القرآن زائد عليه وليس كذلك.
الوجه السابع والأربعون أنكم أخذتم بحديث المنع من توريث القاتل مع أنه زائد على القرآن وحديث عدم القود على قاتل ولده وهو زائد على ما في القرآن مع أن الحديثين ليسا في الصحة بذاك وتركتم الأخذ بحديث إعتاق النبي صلى الله عليه وسلم لصفية وجعل عتقها صداقها فصارت بذلك زوجة وقلتم هذا خلاف ظاهر القرآن والحديث في غاية الصحة.
الوجه الثامن والأربعون أنكم أخذتم بالحديث الضعيف الزائد على ما في القرآن وهو كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه فقلتم هذا يدل على وقوع طلاق المكره والسكران وتركتم السنة الصحيحة التي لا ريب في صحتها فيمن وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به وقلتم هو خلاف ظاهر القرآن بقوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولاعجب أن ظاهر القرآن مع الحديث متوافقان متطابقان فإن منع البائع من الوصول إلى الثمن وإلى عين ماله إطعام له بالباطل الغرماء فخالفتم ظاهر القرآن مع السنة الصحيحة الصريحة.
الوجه التاسع والأربعون أنكم أخذتم بالحديث الضعيف وهو من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له ولم تقولوا هو زائد على القرآن في قوله (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وتركتم الحديث الصحيح في بقاء الإحرام بعد الموت وأنه لا ينقطع به وقلتم هو خلاف ظاهر القرآن في قوله (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) وخلاف ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث).
الوجه الخمسون رد السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب الموالاة حيث أمر الذي ترك لمعة من قدمه بأن يعيد الوضوء والصلاة وقالوا هو زائد على كتاب الله ثم أخذوا بالحديث الضعيف الزائد على كتاب الله في أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة.
الوجه الحادي والخمسون رد الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه لا نكاح إلا بولي وأن من أنكحت نفسها فنكاحها باطل وقالوا هو زائد على كتاب الله فإن الله تعالى يقول (فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن) وقال (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) ثم أخذوا بالحديث الضعيف الزائد على القرآن قطعا في اشتراط الشهادة في صحة النكاح والعجب أنهم استدلوا على ذلك بقوله (لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل) ثم قالوا لا يفتقر إلى حضور الولي ولا عدالة الشاهدين (((فهذا طرف من بيان تناقض من رد السنن بكونها زائدة على القرآن فتكون ناسخة فلا تقبل))).
الوجه الثاني والخمسون أنكم تجوزون الزيادة على القرآن بالقياس الذي أحسن أحواله أن يكون للأمة فيه قولان أحدهما أنه باطل مناف للدين والثاني أنه صحيح مؤخر عن الكتاب والسنة فهو في المرتبة الأخيرة ولا تختلفون في جواز إثبات حكم زائسد على القرآن به فهلا قلتم إن ذلك يتضمن نسخ الكتاب بالقياس فإن قيل قد دل القرآن على صحة القياس واعتباره وإثبات الأحكام به فما خرجنا عن موجب القرآن ولا زدنا على ما في القرآن إلا بما دلنا عليه القرآن قيل فهلا قلتم مثل هذا سواء في السنة الزائدة على القرآن وكان قولكم ذلك في السنة أسعد وأصلح من القياس الذي هو محل آراء المجتهدين وعرضة للخطأ بخلاف قول من ضمنت لنا العصمة في أقواله وفرض الله علينا اتباعه وطاعته فإن قيل القياس بيان لمراد الله ورسوله من النصوص وأنه أريد بها إثبات الحكم في المذكور في نظيره وليس ذلك زائدا على القرآن بل تفسير له وتبيين قيل فهلا قلتم إن السنة بيان لمراد الله من القرآن تفصيلا لما أجمله وتبيينا لما سكت عنه وتفسيرا لما أبهمه فإن الله سبحانه أمر بالعدل والإحسان والبر والتقوى ونهى عن الظلم والفواحش والعدوان والإثم وأباح لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث فكل ما جاءت به السنة فإنها تفصيل لهذا المأمور به والمنهى عنه والذي أحل لنا هو الذي حرم علينا
وهذا يتبين بالمثال التاسع عشر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في حديث النعمان بن بشير أن يعدل بين الأولاد في العطية فقال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وفي الحديث (إني لا أشهد على جور) فسماه جورا وقال إن هذا لا يصلح وقال (أشهد على هذا غيري) تهديدا له وإلا فمن الذي يطيب قلبه من المسلمين أن يشهد على ما حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه جور وأنه لا يصلح وأنه على خلاف تقوى الله وأنه خلاف العدل وهذا الحديث من تفاصيل العدل الذي أمر الله به في كتابه وقامت به السماوات والأرض وأسست عليه الشريعة فهو أشد موافقة للقرآن من كل قياس على وجه الأرض وهو محكم الدلالة غاية الإحكام فرد بالمتشابه من قوله كل أحد أحق بماله من ولده ووالده والناس أجمعين فكونه أحق به يقتضى جواز تصرفه فيه كما يشاء وبقياس متشابه على إعطاء الأجانب ومن المعلوم بالضرورة أن هذا المتشابه من العموم والقياس لا يقاوم هذا المحكم المبين غاية البيان.
انتهى كلامه رحمه الله.
¥