تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا إلا بالوحي، ولا وحي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو خلافنا الأساسي مع المتصوفة. فالمتصوفة قد ركزوا ترهاتهم وخزعبلاتهم وكشوفاتهم المزعومة في كشف حقائق هذه الأشياء في ظنهم ولذلك يقول قائلهم: اطلعنا على الجنة والنار ورأينا كذا وكذا مما لم يخبر به الرسول. ويقول الآخر: أصعدني الله إلى سماواته فرأيت كذا وكذا، ويقول الآخر: التقيت بالملائكة وشاهدت كذا وكذا ويقول الآخر: نزلت الأرض السفلى ورأيت وسمعت. . الخ هذه الافتراءات والخزعبلات، وهذا الباب الغيبي لا يفتح أصلاً إلا بالوحي، ولا وحي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأما العبادات أيضاً فلا يجوز الإضافة فيها لأن الإضافة فيها مبطلة، فالصلوات من فرائض ونوافل لا يجوز الزيادة فيها على المشروع، فركعة مضافة على الركعات الأربع يبطل الصلاة واستحداث نافلة لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يصدق عليها قوله صلى الله عليه وسلم: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد] (أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجة)، وكذلك إضافة هيئات جديدة أو صور جديدة لأي نوع من أنواع العبادة.

باختصار، لا جديد في الصلاة والصوم والحج وفي فرضيات الزكاة ويجب أن يبقى كل ذلك على الصورة والنحو المشروع.

كذلك الأخلاق وتربية النفس لا يجوز تغير هذه الموازين وإلا اختل نظام الأخلاق وأصبح الحق باطلاً والباطل حقاً.

هذه الأمور الثلاثة هي من قسم الثوابت في الدين وكل إضافة فيها تدخل في أبواب الابتداع وإن كان هناك ثم اجتهاد فيها فهو اجتهاد في الأخطاء والضرورات التي تقع لبعض الأفراد كمن نسي ففعل كذا أو أخطأ ففعل كذا أو اضطر ففعل كذا، ففي هذه الأبواب من الخطأ والنسيان والضرورة ينحصر اجتهاد المجتهدين وكل ذلك في هذه الأبواب الثلاثة: " العقائد، والعبادات، والأخلاق ".

رابعاً: " الإنسان مدني بالطبع " هذه الكلمة التي أطلقها ابن خلدون تصف حقيقة بشرية وهي أن البشر يحتاجون أن يعيشوا في مدن وفي تجمعات. ومع اجتماع البشر وتكاثرهم ونماؤهم تتعدد معاملاتهم وتعظم مشكلاتهم، وينشأ أحياناً الصراع بينهم بدلاً من التعاون في سبيل حفاظهم على ذواتهم أو حبهم لها ووسط هذا التعاون الضروري والصراع الدائم تتشابك المعاملات وتختلف المصالح، ولو خلى الله بين البشر وأنفسهم لأكل بعضهم بعضاً، ولساد قانون الغاب، ولكن الله من رحمته أرسل الرسل معلمين وهادين ومرشدين وأنزل الكتب ليقوم الناس بالقسط، والموازين التي أنزلها الله قاضية بالعدل بين الناس، وقد أكمل الله أصول هذا العدل في كتابه القرآن وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولذلك نزل ما ينظم علاقة الرجل بالمرأة، والمسلم بأخيه من بيع وهبة والحاكم بالمحكوم، والمجتمع بالمجرم الخارج عليه. وكل ذلك في نظام بديع لو أقامه الناس لأقاموا سعادتهم على الأرض.

والنصوص القرآنية والحديثية التي نزلت في هذه المعاملات كانت بمثابة الضوابط والأصول العامة والإطار الذي يضيء للمسلمين الطريق ويسمح لهم أن يشرعوا لأنفسهم على هديه كلما جد لهم جديد مع أنفسهم أو مع أعدائهم. وهذا هو أعظم المتغيرات في هذا الدين ولكنه ليس متغيراً مطلقاً ولكنه متغير وفق ثوابت من القواعد العامة والحدود الفاصلة بين الحلال والحرام والمطلوب والممنوع.

والمهم أن باب المعاملات باب عظيم من أبواب الاجتهاد وذلك لاتساع شئون المعاملات وتعددها وتغيرها بتغير الزمان والمكان والناس، ونستطيع أن نقول أن هذا الباب إذا عرفت أصوله وحدوده المنصوص عليها في الكتاب والسنة واستطعنا أن نستوعب حاجة المسلمين ومشكلاتهم اليومية في شئون حياتهم المختلفة من سياسية، واقتصادية، واجتماعية استطعنا أن نصل إلى اجتهاد سليم وإلى رقي دائم وسير سليم في ظل نظام الإسلام وقانونه. وهذه مشكلة المشكلات أيضاً وذلك أن الثابت من أبواب الإسلام العلمية " العقائد، والعبادات، والأخلاق "، لا يشكل مشكلة لأنه واضح قريب الفهم قليل الاختلاف فيه. وأما شئون المعاملات والسياسة والاقتصاد والاجتماع فهو مع ثبات أصوله متغير تغيراً عظيماً جداً، فأحوالنا السياسية تتغير كل يوم وتحتاج إلى اجتهاد جديد مع هذا التغير وكذلك معاملاتنا الاقتصادية، فنحن لا نعيش في العالم بمفردنا بل يشاركنا فيه أمم وشعوب كثيرة ولها معاملاتها ولهم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير