وينسب بنو بويه إلى زعيم فارسي يدعى بويه كان متوسط الحال سكن إقليم الديلم (1) في الجنوب الغربي من بحر الخزر [قزوين] وكانت قزوين أو الخزر مركزاً مهماً لليهود، وأكثر اليهود اليوم يرجعون إلى هؤلاء، ولقد أرجع أحد المؤرخين الشيعة -ابن طباطبا- نسب ملوك الدولة البويهية إلى يهوذا بن يعقوب (2)، وقد اشتهر منهم ثلاثة إخوة تقاسموا السيطرة والنفوذ في بلاد الإسلام، وكان الأكبر منهم عماد الدولة أبا الحسين علي بن بويه، والأوسط ركن الدولة أبا علي الحسين بن بويه، والأصغر أبا الحسين أحمد بن بويه (3).
وكان لبني بويه نفوذ في بغداد مارسوا من خلاله تسلطاً على الخلفاء، وعلى أهل السنة بالذات، وكانت سياستهم مع العباسيين تنطوي على إضعاف نفوذهم والاستئثار بالحكم، كما كانوا يتدخلون حتى في تعيين كاتب الخليفة العباسي أو توليته، وقد استمرت سيطرة البويهيين على مقدرات الدولة أكثر من قرن من الزمان كانت العلاقة بينهم وبين الخلفاء وعامة أهل السنة خلالها في أغلب الأحيان سيئة، وفي معظمها قائمة على العداوة والانتقام (4).
ويعد الحكم البويهي من أقسى الأنظمة الشمولية التي سيطرت على الخلافة العباسية، حيث إنهم استخدموا أساليب التعذيب والقتل وسمل العيون بالنسبة لخلفاء بني العباس، وأصبح الخليفة ألعوبة بأيديهم يعزلونه متى شاؤوا، كما جردوه من ألقابه وامتيازاته (5).
وقد أصاب البلاد من جراء الحكم البويهي الكثير من الويلات والمصائب بسبب انتشار الفوضى السياسية والاجتماعية والدينية، وما صحب ذلك من انتعاش النزعات الفارسية الشعوبية، وسيطرة اليهود على مقدرات الخلافة، وانقسام الدولة العباسية إلى دويلات مستقلة (6).
كما تحول الخليفة العباسي أشبه ما يكون بموظف من موظفي الدولة يخصص له الأمير البويهي راتباً، إذ جعل معز الدولة البويهي للخليفة العباسي المستكفي في اليوم خمسة آلاف درهم، وأقل من ذلك في عهد خلفه المطيع (7)!
وقد دمر البويهيون اقتصاد العراق، واستبد أفراد عائلتهم بوظائف الحكومة الحساسة حيث أصبح الأمير البويهي بيده السلطة يدبر الأمور حسب رأيه وباسم الخليفة (8).
وتشير المصادر التاريخية إلى أن البويهيين سيطروا على السكة والمكوس، ونهب وسرقة الأموال العامة حتى تكدست الثروات بأيديهم، ولم يتركوا سبيلاً إلا وسلكوه لتحقيق هذا الغرض سواء في العراق أو فارس.
وانشغلوا عن حماية الدولة الإسلامية وسد ثغورها نتيجة لهذا الفساد الإداري والمالي، مما أعطى الفرصة للروم ليهاجموا المدن الإسلامية ويحرقوا ويقتلوا أهلها كما حدث في مدينة حمص سنة 358هـ، وكما حصل في الجزيرة الفراتية وديار بكر سنة 361هـ (9).
وفي ظل تخلي هؤلاء الأمراء الشيعة عن حماية الدولة الإسلامية، كانوا في نفس الوقت يسعون بشكل حثيث إلى إثارة الفتن والقلاقل في الخلافة العباسية، ففي هذا الجو المشحون المتلاطم كان البويهيون كهدف واستراتيجية أساسية يسعون إلى إثارة النزعات المذهبية والفوضى الدينية والاجتماعية، وأدى ذلك إلى وقوع العديد من الفتن في بغداد لشق وحدة الأمة، كما حدث في هذه الأعوام المشهورة بالفتنة وهي ما بين [338هـ إلى 348هـ].
وفي كل عام إذا جاء شهرالمحرم أثار الشيعة فيه الفتنة بلعن سلف الأمة وأصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، والتهديد والوعيد لأهل السنة بالانتقام منهم، حتى ُكتب على معابد ومساجد الشيعة لعن الصديق والفاروق وأم المؤمنين عائشة، بكلام فاحش بذيء، والطعن في أعراض الفقهاء وأئمة الدين من أهل السنة والجماعة.
حتى جاء محرم من عام 352هـ فأظهر معز الدولة البويهي البراءة من الخلافة العباسية، والولاء للدولة الفاطمية العبيدية في مصر، واستبدل الدعاء للخليفة العباسي بالدعاء للخليفة الفاطمي (10).
ونتج عن هذا أن اليهود قد سنحت لهم الفرصة لبسط نفوذهم بطريقة ظاهرة واضحة، وساعدهم في ذلك أن البويهيين اعلنوا صراحة تحالفهم مع اليهود، حتى إن الدارس للتاريخ يتعجب من قوة نفوذ اليهود في الدولة البويهية، والمودة والأخوة التي كانت تربطهم بالشيعة، حتى أصبح أكثر الوزراء والكتاب وأهل الحل والعقد والاستشارة هم من اليهود أو من النصارى، في مقابل تهميش واضح لأهل السنة، بل إضطهاد واحتقار.
¥