تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والثاني: ما أخرجه مسلم في: ((صحيحه)) من حديث جابر بن عبد الله t أنه قال: أُتي بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً. فقال رسول الله r: (( غَيِّروا هذا بشيء واجتنبوا السواد)). وفيه النهي عن السواد، وأقلُّ درجاته: الكراهة، وعليها يُحْمل الحديث جمعاً بينه وبين ما سبق عن صحابة النبي r. قال ابن القيم - رحمه الله -في ((أعلام الموقعين)) حاكياً عن البيهقي قوله: "وفي الرسالة القديمة للشافعي - بعد ذكر الصحابة وتعظيمهم - قال: وهم فوقنا في كل علمٍ واجتهادٍ، وورعٍ وعقلٍ، وأمرٍ استُدْرِكَ به علم، وآرائهم لنا أحْمَدُ وأولى بنا من رأينا "انتهى المراد. ومن ثَمّ قال ابن القيم -رحمه الله -في: ((تهذيب السنن)): "وأما الخضاب بالسواد: فكرهه جماعة من أهل العلم، وهو الصواب بلا ريب"ا. هـ.

وقوله في الخبر: "ولحيته كالثغامة بياضاً "بَيَّنه القرطبي - رحمه الله - في: ((المُفْهِم)) بقوله: " (الثغامة): نبتٌ أبيض الزهر والثمر، شَبَّه بياض الشيبه. قاله أبو عبيد. وقال ابن الأعرابي: هو شجرةٌ تبيض كأنها الثلجة "ا. هـ وبنحوه عند القاضي عياض رحمه الله في ((إِكْمال المُعْلِم بفوائد مسلم)).

فائدة:

قيل: إن لفظة: (واجتنبوا السواد) في الحديث: مُدْرَجة، وليست من قوله r، وقد حكى ذلك وجوابه جماعة، ومنهم: المباركفوري - رحمه الله - في: ((تحفة الأحوذي)) (/-) حيث قال حاكياً ذلك: "إن قوله: (واجتنبوا السواد) مُدْرَج في هذا الحديث، وليس من كلام النبي r. والدليل على ذلك أن مسلماً روى هذا الحديث عن أبي خيثمة عن أبي الزبير عن جابر إلى قوله: (غَيَّروا هذا بشيء) فحسب، ولم يزد فيه قوله: (واجتنبوا السواد).وقد سأل زهير أبا الزبير هل قال جابر في حديثه: (جنبوه السواد)؟ فأنكر، وقال: لا. ففي ((مسند أحمد)): حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا حسن وأحمد بن عبد الملك قالا حدثنا زهير بن أبي الزبير عن جابر، قال أحمد في حديثه: حدثنا أبو الزبير عن جابر، قال: أُتي رسولُ الله r بأبي قحافة، أو: جاء عام الفتح، ورأسه ولحيته مثل: الثغام، أو: مثل الثغامة. قال حسن: فأمر به إلى نسائه، قال: غَيِّروا هذا الشيب. قال حسن: قال زهير: قلت لأبي الزبير: قال: (جنبوه السواد)؟ قال: لا. انتهى. وزهير هذا هو زهير بن معاوية المُكَنَّى بأبي خيثمة أحد الثقات الأثبات، وحسن هذا هو حسن بن موسى أحد الثقات.

ورُدَّ هذا الجواب: بأن حديث جابر هذا رواه ابن جريج والليث بن سعد، وهما ثقتان ثبتان عن أبي الزبير عنه. مع زيادة قوله: (واجتنبوا السواد) كما عند مسلم وأحمد وغيرهما.

وزيادة الثقات الحفاظ مقبولة والأصل عدم الإدراج. وأما قول أبي الزبير: (لا) في جواب سؤال زهير: فمبني عليه - كذا؛ ولعل صوابها على - أنه قد نسي هذه الزيادة، وكم من محدِّث قد نَسي حديثه بعدما أحدثه. وخَضْبُ ابن جريج بالسواد لا يَسْتلزم كون هذه الزيادة مُدْرَجة كما لا يَخْفى "ا. هـ.

وفي قوله - رحمه الله -: (وخُضْبُ ابن جريج …) إشارة إلى ما حكاه من قَبْلُ - كما في: ((تحفة الأحوذي)) - بقوله: "وأجاب المُجوِّزون - أي: للخضاب بالسواد - عن هذه الزيادة - أي: (واجتنبوا السواد) -: بأن في كونها من كلام رسول الله r نظراً، ويُؤيِّده أن ابن جريج راوي الحديث عن أبي الزبير كان يَخْضب بالسواد "ا. هـ.

فائدة:

صنَّف ابن أبي عاصم وابن الجوزي رحمهما الله في الخضاب بالسواد مصنَّفاً، وقرَّرا فيه الجواز دون تحريم، قال المباركفوري رحمه الله في: ((تحفة الأحوذي)): "وكان ممن يَخْضب بالسواد ويقول به: محمد بن إسحاق - صاحب المغازي -، والحجاج بن أرطأة، والحافظ ابن أبي عاصم، و ابن الجوزي - ولهما رسالتان مفردتان في جواز الخضاب بالسواد - وابن سيرين، وأبو بردة، وعروة بن الزبير، وشرحبيل بن السمط، وعنبسة بن سعيد وقال: (إنما شعرك بمنزلة ثوبك فاصبغه بأي لون شئت، وأحبه إلينا أحلكه) ا. هـ.

تنبيه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير