لأنَّ أهل الحديث كانوا أكثر الناس التزامًا بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا انفصام حينئذٍ بين العلم والعمل، وبين الشق النظري والتطبيقي، لا كما نفهمه الآن بالمفهوم الضيق بأنَّ أهل الحديث هم علماء مصطلح الحديث، وأنَّ علم الحديث ثمرته تمييز الأحاديث صحيحها من سقيمها، وهو خلط للمفاهيم في ظل غياب العلم والمعرفة.
قال المناوي: وهم جيوش الإسلام أو العلماء الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر فالمقاتلة معنوية.
قال النووي: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع الأمة ما بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه، ومفسر، ومحدث، وقائم بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وزاهد وعابد، ولا يلزم اجتماعهم ببلد واحد، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولاً فأولاً إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر اللّه، وهو حيت تأتي الريح فتقبض روح كل مؤمن.
وفي الحديث معجزة بينة فإن أهل السنة لم يزالوا ظاهرين في كل عصر إلى الآن، فمن حين ظهرت البدع على اختلاف صنوفها من الخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم لم يقم لأحد منهم دولة ولم تستمر لهم شوكة بل {كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللّه} بنور الكتاب والسنة فللّه الحمد والمنة.
قال الحرالي: ففي طيه إشعار بما وقع وهو واقع وسيقع من قتال طائفة الحق لطائفة البغي مما يخلص من الفتنة، ويخلص الدين للّه توحيداً ورضاً وثباتاً على حال السلف الصالح، وفيه أن هذه الأمة خير الأمم، وأن عليها تقوم الساعة، وإن ظهرت أشراطها وضعف الدين فلا بد أن يبقى من أمته من يقوم به.
وأخرج أبو داود في سننه وصححه الألباني في صحيح الجامع (2641) عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين و سبعين ملة، و إن هذه الملة ستفترق على ثلاث و سبعين ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه لا يبقى منه عرق و لا مفصل إلا دخله "
وفيه إشارة إلى حفظ الله لدينه ببقاء الطائفة المنصورة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
وليس حديث المجدد بمعزل عن هذين الحديثين السابقين، فحين تستحكم الآراء وتتلاعب بالناس الأهواء تكون الطائفة الناجية هي القائمة بأمر الله في خضم هذه الهلكات.
من أهم صفات المجدد أنه من أهل السنة والجماعة.
فقد ادّعى كل فرقة في إمامهم بأنه المجدد.
وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
إذا اشتبكت دموع في جفون تبين من بكى ممن تباكى
وليس الأمر بالادعاء بل بالبراهين الثابتة، وأنت ترى الشيعة ـ مثلاً ـ في هذا الزمان ينسبون " الخوميني " مثلا إلى إمامة الدين، وأنه مجدد الزمان، إلى غير ذلك، فكيف يكون ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يصف الجماعة المنصورة بأنها الملتزمة بهديه وهدي صحابته رضوان الله عليهم " ما أنا عليه وأصحابي " فكيف بالله يوصف من يكفر ويسب أصحابه بأنه مجدد الزمان؛ ومن ثمَّ فلا يعقل أن يكون المجدد مبتدعًا رافضيًا أو خارجيًا مثلاً.
بل إن هناك من ادعى أن " كمال أتاتورك " مجدد الأمة في العصر الحديث، وهكذا ستجد مثل هذا التخبط بسبب عدم الالتزام بالشروط والمؤهلات والصفات التي ينبغي أن تتوافر في " المجدد "
من أهم خصائص أهل السنة المميزة
أولاً: فكونه من أهل السنة والجماعة يعني بداية أنه: على معتقد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جميع مسائل العقيدة
من الأسماء والصفات، والإيمان بالقدر، وغيرها من أصول الاعتقاد، وآية ذلك الالتزام بالكتاب والسنة بفهم سلف الصالح، وهو الوصف الذي لا يمكن للفرق التي اتخذت العقل أو الوجدان أو طريق النظر الكلامي والفلسفي أن تدعيه لنفسها، بل إن هؤلاء ليصمون " أهل السنة " اليوم بأنهم يريدون أن نفهم العقيدة في ضوء الكتاب والسنة ونترك علم الكلام والفلسفة وكأنها وصمة عار، والحمد لله أنهم شهدوا بألسنتهم على الصفة المميزة التي نعتز بها كسلفيين.
كضرائر الحسناء قلنا لوجهها كذبا وزورًا إنه لدميم
وطريقك إلى هذا المعتقد السلفي ما وصلنا من كتب العقيدة المسندة، كالـ " شرح أصول اعتقاد أهل السنة " لللالكائي، و" السنة " لابن أبي عاصم، و" الشريعة " للآجري، و " الإبانة " لابن بطة، " السنة " للخلال وغيرها.
ثانيًا: اعتمادها في التفقه والاستنباط على الوحي المنزل
فأين هذا ممن نبذوا النصوص الشرعية، وتمسكوا بآراء الفقهاء وتعصبوا لها التعصب الممقوت، حتى قال قائلهم: كل نص يخالف ما قال به الأصحاب فهو إما منسوخ أو مؤول.
فليس هذا من باب نبذ أقوال أهل العلم، بل التقليد قد يكون واجبًا عند الضرورة.
ثالثًا: الحرص على العمل بالشرع والالتزام بالأوامر والنواهي
قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة " أي الإسلام، فالأمر هنا بالامتثال لجميع أوامر الإسلام، فليس وصف أهل السنة مختصًا بجانب العقيدة فحسب، بل الجانب العملي وصف أصيل لهم، لذلك كان يوصفون بشدة اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم في الواجبات والمندوبات والسنن المستحبات، وتركهم للمحرمات والمكروهات، وبأنهم أحرص الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الأرحام وحب المساكين، والإحسان للجيران، والتعفف في أمور المأكل والمشرب والملبس، وبتواصيهم بقيام الليل وصيام النهار.
مما تقدم بيانه نجزم بأنَّ المجدد يستحيل أن يكون من غير أهل السنة الذين عرفت بعض أهم خصائصهم.