(الأمة) هل هي أمة الدعوة (أي كل البشرية) أو أمة الإجابة (أي أمة النبي صلى الله عليه وسلم)؟ خلاف وبكل قال بعض أهل العلم.
والمقصود أنَّ هذا المجدد تعدَّى نطاقه المحدود إلى الأفق الأوسع؛ ليؤثر في مجريات الأمور والأحداث من حوله، وليقود خطوات الأمة الإسلامية في معركة الحياة، ومن ثمَّ يحدث التوازن في مسيرة الحياة البشرية كلها، ويأخذ الإسلام دوره في الوجود، فهو بهذا مجدد للأمة الإسلامية بربطها بالمنهج الصحيح، وهو مجدد للبشرية المتلهفة للعدالة والإيمان المحتاجة إلى العقيدة أكثر من حاجتها للطعام والشراب.
إنَّ الذين يأملون في بعث الأمة من جديد كثيرون، لكنهم يتساقطون حين يحتكون بالعقبات التي تحول بينهم وبين غايتهم، ولذلك كان المجددون قلة، وكانوا يمتازون عن غيرهم بعلو همتهم، وإيثارهم غيرهم على أنفسهم، وتلك ـ لعمر الله ـ صفة أولو الإخلاص والعزم، وهم من الندرة بمكان، نسأل الله تكثير سوادهم.
(على رأس كل مائة سنة) فليست ولادته ولا وفاته على رأس المائة بل تجديده.
قال ابن الأثير: وإنما المراد بالذكر من انقضت المائة وهو حي عالم مشهور مشار إليه.
قال السيوطي في منظومته التي سمَّاها " تحفة المهتدين بأخبار المجددين ":
والشرط في ذلك أن تمضي المائة وهو على حياته بين الفئة
يُشار بالعلم إلى مقامه وينصر السنة في كلامه
(رأس) قيل: أي أول المائة وقيل بل آخرها، ومادة (رأس) تستخدم في كلا الوجهين ولعل القضية هنا تقريبية، فلو وجد من تنطبق عليه أمارات التجديد، ومات قبل بداية المائة بأيام قليلة فهو مجدد دون خلاف، فهناك اقتراب بين نهاية الشيء وبدايته.
(المائة) اختلف العلماء في بداية هذه المائة، فهل هي من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل هي من هجرته صلى الله عليه وسلم؟ هل هي من وقت نطقه بهذا الحديث؟ أم من وفاته صلى الله عليه وسلم؟
والظاهر أنَّ عدم التحديد هذا مقصود في الشرع، بحيث يظهر المجدد كلما اشتدت الحاجة إليه لبعد الناس عن عهد النبوة، أو لبعدهم عن عهد المجدد السابق.
ويستفاد من هذا أيضًا أنَّ المجدد قد يعيش ويموت ولا يعرف أنَّه كان مجدد هذه المائة، بل يستنبط ذلك عند الوقوف على دراسة أحوال هذا القرن ومن قاموا بإسهامات فعالة في هداية الناس إلى طريق النبوة، وهذا معروف كما أنَّ المهدي ـ الذي يكون آخر المجددين ـ يعيش ولا يعرف نفسه، حتى يعرفه أهل العلم بوصفه ويبايعونه بن الركن والمقام كما هو معلوم.
وعليه فلا يعكر التوقيت الزماني على القول بنسبة وصف التجديد لعالم أثَّر في الأمة تأثيرًا ملحوظًا بحيث أحيا من اندرس من معالم الإسلام، وردَّ الناس إلى المنهاج الصحيح منهاج النبوة.
(من يجدد لها دينها)
وهنا مسألة: هل المجدد فرد واحد أم جماعة من الناس؟
فلفظ (من) يطلق على الفرد والجماعة، والقول بأنه فرد واحد نقله غير واحد من أهل العلم، وذهب السيوطي إلى أنه قول الجمهور فقال:
وكونه فرداً هو المشهور قد نطق الحديث والجمهور
واختار آخرون العموم منهم الحافظ ابن حجر وابن الأثير والذهبي والمناوي والعظيم آبادي
وغيرهم.
يقول الحافظ ابن حجر: ولكن الذي يتعين فيمن تأخر المحمل على الأكثر من واحد؛ لأنَّ في الحديث إشارة إلى أنَّ المجدد يكون تجديده عامًا في جميع أهل ذلك العصر، وهذا ممكن جدا في حق عمر بن عبد العزيز ثمَّ في حق الشافعي، أما من جاء بعد ذلك فلا يعدم من يشاركه في ذلك.
وبين سبب ذلك فقال: فإنَّ الصفات التي يحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير تكون في شخص واحد.
وهذا الكلام يعني أنَّ التجديد في الزمان المتأخر يكون في جماعة من الناس، بحيث يختص كل شخص بخصال من الخير قد اندرست وأميتت فيحييها، وهذا يؤيده ما في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله و هم ظاهرون "
قال المناوي: (لا تزال طائفة من أمتي) أي أمة الإجابة (ظاهرين) على الناس أي غالبين منصورين
قال البخاري: هم أهل العلم. قال الترمذي: هم أهل الحديث.
قال الإمام أحمد: إن لم تكن هذه الطائفة أهل الحديث فلا أدري من هم.
¥