- وينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب. فقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: (من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه , ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه) ومما يتساهل أكثر الناس فيه من هذا الباب ما إذا رأى إنسانا يبيع متاعا معيبا أو نحوه فإنهم لا ينكرون ذلك , ولا يعرفون المشتري بعيبه , وهذا خطأ ظاهر. وقد نص العلماء على أنه يجب على من علم ذلك أن ينكر على البائع , وأن يعلم المشتري به. والله أعلم.
- وأما صفة النهي ومراتبه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: " فليغيره بيده , فإن لم يستطع فبلسانه , فإن لم يستطع فبقلبه " فقوله صلى الله عليه وسلم: (فبقلبه): معناه فليكرهه بقلبه. وليس ذلك بإزالة وتغيير منه للمنكر ولكنه هو الذي في وسعه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وذلك أضعف الإيمان): معناه والله أعلم أقله ثمرة , قال القاضي عياض رحمه الله: هذا الحديث أصل في صفة التغيير فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولا كان أو فعلا ; فيكسر آلات الباطل , ويريق المسكر بنفسه , أو يأمر من يفعله , وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه , أو بأمره إذا أمكنه ويرفق في التغيير جهده بالجاهل وبذي العزة الظالم المخوف شره ; إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله. كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى. ويغلظ على المتمادي في غيه , والمسرف في بطالته ; إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكرا أشد مما غيره لكون جانبه محميا عن سطوة الظالم. فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرا أشد منه من قتله أو قتل غيره بسبب كف يده , واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف. فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه , وكان في سعة , وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله تعالى وإن وجد من يستعين به على ذلك استعان ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب , وليرفع ذلك إلى من له الأمر إن كان المنكر من غيره , أو يقتصر على تغييره بقلبه. هذا هو فقه المسألة , وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين خلافا لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال وإن قتل ونيل منه كل أذى. هذا آخر كلام القاضي رحمه الله.
- قال إمام الحرمين رحمه الله: ويسوغ لآحاد الرعية أن يصد مرتكب الكبيرة وإن لم يندفع عنها بقوله ما لم ينته الأمر إلى نصب قتال وشهر سلاح. فإن انتهى الأمر إلى ذلك ربط الأمر بالسلطان قال: وإذا جار والي الوقت , وظهر ظلمه وغشمه , ولم ينزجر حين زجر عن سوء صنيعه بالقول , فلأهل الحل والعقد التواطؤ على خلعه ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب. هذا كلام إمام الحرمين. وهذا الذي ذكره من خلعه غريب , ومع هذا فهو محمول على ما إذا لم يخف منه إثارة مفسدة أعظم منه. قال: وليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور بالظنون , بل إن عثر على منكر غيره جهده.
- وقال أقضى القضاة الماوردي: ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات. فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت , فذلك ضربان. أحدهما: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها , مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلا خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس , ويقدم على الكشف والبحث حذرا من فوات ما لا يستدرك. وكذا لو عرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار. الضرب الثاني: ما قصر عن هذه الرتبة فلا يجوز التجسس عليه , ولا كشف الأستار عنه. فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار لم يهجم عليها بالدخول لأن المنكر ظاهر وليس عليه أن يكشف عن الباطن. وقد ذكر الماوردي في آخر الأحكام السلطانية بابا حسنا في الحسبة مشتملا على جمل من قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد أشرنا هنا إلى مقاصدها , وبسطت الكلام في هذا الباب لعظم فائدته , وكثرة الحاجة إليه , وكونه من أعظم قواعد الإسلام. والله أعلم.
لعل يكون في هذا الكلام إفاده، ويمكنك أن ترجع إلى النص كاملاً على هذا الرابط: http://hadith.al-islam.com/Display/Display.asp?Doc=1&Rec=174
هذا والله أسأل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا .. والعاقبة للمتقين