تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يَتِمّ الِاسْتِدْلَال بِهِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون صَبَّهُ فِي شَيْء فَسَقَاهُ أَوْ غَسَلَ خُفّه بَعْد ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَلْبَسهُ بَعْد ذَلِكَ. قَوْله: (فَشَكَرَ اللَّه لَهُ) أَيْ: أَثْنَى عَلَيْهِ فَجَزَاهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَبِلَ عَمَله وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّة. وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام عَلَى فَوَائِد هَذَا الْحَدِيث فِي بَاب فَضْل سَقْي الْمَاء مِنْ كِتَاب الشُّرْب إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. وَقَوْله: (وَقَالَ أَحْمَد بْن شَبِيب) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَكَسْر الْمُوَحَّدَة. قَوْله: (حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه) أَيْ: اِبْن عُمَر بْن الْخَطَّاب. (كَانَتْ الْكِلَاب) زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ والْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَتهمَا لِهَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق أَحْمَد بْن شَبِيب الْمَذْكُور مَوْصُولًا بِصَرِيحِ التَّحْدِيث قَبْل قَوْله تُقْبِل " تَبُول " وَبَعْدهَا وَاو الْعَطْف , وَكَذَا ذَكَرَ الْأَصِيلِيّ أَنَّهَا فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن مَعْقِل عَنْ الْبُخَارِيّ , وَكَذَا أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُد وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن وَهْب عَنْ يُونُس بْن يَزِيد شَيْخ شَبِيب بْن سَعِيد الْمَذْكُور , وَعَلَى هَذَا فَلَا حُجَّة فِيهِ لِمَنْ اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَة الْكِلَاب لِلِاتِّفَاقِ عَلَى نَجَاسَة بَوْلهَا قَالَهُ اِبْن الْمُنِير. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مَنْ يَقُول إِنَّ الْكَلْب يُؤْكَل وَأَنَّ بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه طَاهِر يَقْدَح فِي نَقْل الِاتِّفَاق , لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ جَمْع بِأَنَّ أَبْوَال الْحَيَوَانَات كُلّهَا طَاهِرَة إِلَّا الْآدَمِيّ , وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ اِبْن وَهْب حَكَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيْره عَنْهُ وَسَيَأْتِي فِي بَاب غَسْل الْبَوْل , وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: الْمُرَاد أَنَّهَا كَانَتْ تَبُول خَارِج الْمَسْجِد فِي مَوَاطِنهَا ثُمَّ تُقْبِل وَتُدْبِر فِي الْمَسْجِد , إِذْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْت غَلَق. قَالَ: وَيَبْعُد أَنْ تُتْرَك الْكِلَاب تَنْتَاب الْمَسْجِد حَتَّى تَمْتَهِنهُ بِالْبَوْلِ فِيهِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ بِطَهَارَتِهَا لَمْ يَمْتَنِع ذَلِكَ كَمَا فِي الْهِرَّة , وَالْأَقْرَب أَنْ يُقَال: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي اِبْتِدَاء الْحَال عَلَى أَصْل الْإِبَاحَة ثُمَّ وَرَدَ الْأَمْر بِتَكْرِيمِ الْمَسَاجِد وَتَطْهِيرهَا وَجَعْل الْأَبْوَاب عَلَيْهَا , وَيُشِير إِلَى ذَلِكَ مَا زَادَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته مِنْ طَرِيق اِبْن وَهْب فِي هَذَا الْحَدِيث عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ: كَانَ عُمَر يَقُول بِأَعْلَى صَوْته " اِجْتَنِبُوا اللَّغْو فِي الْمَسْجِد " قَالَ اِبْن عُمَر: وَقَدْ كُنْت أَبِيت فِي الْمَسْجِد عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ الْكِلَاب. . . إِلَخْ , فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الِابْتِدَاء , ثُمَّ وَرَدَ الْأَمْر بِتَكْرِيمِ الْمَسْجِد حَتَّى مِنْ لَغْو الْكَلَام , وَبِهَذَا يَنْدَفِع الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى طَهَارَة الْكَلْب. وَأَمَّا قَوْله " فِي زَمَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة لِأَنَّهُ اِسْم مُضَاف لَكِنَّهُ مَخْصُوص بِمَا قَبْل الزَّمَن الَّذِي أُمِرَ فِيهِ بِصِيَانَةِ الْمَسْجِد , وَفِي قَوْله " فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ " مُبَالَغَة لِدَلَالَتِهِ عَلَى نَفْي الْغَسْل مِنْ بَاب الْأَوْلَى , وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ اِبْن بَطَّال عَلَى طَهَارَة سُؤْره لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْكِلَاب أَنْ تَتْبَع مَوَاضِع الْمَأْكُول , وَكَانَ بَعْض الصَّحَابَة لَا بُيُوت لَهُمْ إِلَّا الْمَسْجِد فَلَا يَخْلُو أَنْ يَصِل لُعَابهَا إِلَى بَعْض أَجْزَاء الْمَسْجِد , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ طَهَارَة الْمَسْجِد مُتَيَقَّنَة وَمَا ذُكِرَ مَشْكُوك فِيهِ , وَالْيَقِين لَا يُرْفَع بِالشَّكِّ. ثُمَّ إِنَّ دَلَالَته لَا تُعَارِض دَلَالَة مَنْطُوق الْحَدِيث الْوَارِد فِي الْأَمْر بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغه , وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَن عَلَى أَنَّ الْأَرْض تَطْهُر إِذَا لَاقَتْهَا النَّجَاسَة بِالْجَفَافِ , يَعْنِي أَنَّ قَوْله " لَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ " يَدُلّ عَلَى نَفْي صَبّ الْمَاء مِنْ بَاب الْأَوْلَى , فَلَوْلَا أَنَّ الْجَفَاف يُفِيد تَطْهِير الْأَرْض مَا تَرَكُوا ذَلِكَ , وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. (تَنْبِيه): حَكَى اِبْن التِّين عَنْ الدَّاوُدِيّ الشَّارِح أَنَّهُ أَبْدَلَ قَوْله يَرُشُّونَ بِلَفْظِ " يَرْتَقِبُونَ " بِإِسْكَانِ الرَّاء ثُمَّ مُثَنَّاة مَفْتُوحَة ثُمَّ قَاف مَكْسُورَة ثُمَّ مُوَحَّدَة , وَفَسَّرَهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَخْشَوْنَ فَصُحِّفَ اللَّفْظ , وَأَبْعَدَ فِي التَّفْسِير لِأَنَّ مَعْنَى الِارْتِقَاب الِانْتِظَار , وَأَمَّا نَفْي الْخَوْف مِنْ نَفْي الِارْتِقَاب فَهُوَ تَفْسِير بِبَعْضِ لَوَازِمه. وَاَللَّه أَعْلَم.

فتح الباري شرح صحيح البخاري

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير