يجعلها ذخرا لي يوم القيامة يوم لاينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
و الله أرجو في أموري كلها معتصما في صعبها و سهلها
و كتب
أبو عبد الرحمن
الخامس من رمضان الفضيل لعام 1421من هجرة من له
العز والشرف
إيقاظ
في وجوب تعهد كتاب الله عز وجل بالرعاية والعناية
لا يشك مسلم أن حفظ القرآن الكريم في صدر العبد منحة ربانية، وعطية إلهية، يصطفي بها الله عز وجل من شاء من خلقه، وهى نعمة تستحق مزيد الشكر والثناء على المنعم سبحانه وتعالى، فأى عطية وأى منحة أعظم بعد الإيمان من أن يحفظ العبد رسالة ربه وكلام خالقه في قلبه وهو أفضل الكلام، جمع فيه سبحانه وتعالى كل ما يحتاج اليه من أخبار الأولين والآخرين والمواعظ والأمثال والآداب ضورب الأحكام، والحجج القاطعات الظاهرات في الدلالة على وحدانية الله تعالى وغير ذلك مما جاءت به رسوله الدامغات لأهل الإلحاد الضلال الطغام، وضاعف الأجر في تلاوته وأمرنا بالاعتناء به والإعظام، وملازمة الآداب معه وبزل الوسع فى الإحترام.
وحري بمن أولاه الله تعالى هذه النعمة أن يشكرها ولا يكفرها بالمحافظة عليها، وتعاهدها من الضياع والنسيان، والتفريط بأمرها ولا سيما إذا كان الإنسان من المتصدرين لإمامة المسلمين في الصلاة، أو من المتعهدين لأمر الدعوة والإرشاد و النصيحة لهذه الأمة المباركة.
و يتأكد هذا الأمر في حق الأئمة في أوقات طول القراءة في الصلاة؛ كصلاة الصبح، و التراويح، و الكسوف، و غيرها.
و من المعلوم ان النسيان أمر فطري في الإنسان، و ما سمي الإنسان لإلا لكثرة نسيلنه، و في العادة هو يختلف باختلاف الأشخاص فيقل و يكثر بحسب ما فاوت الله تعالى بين العباد في قوة ذاكرتهم و ضعفها.
و كما نصت الأحاديث فإن القرآن الكريم يتفلت من الصدور إذا لم يبادر المسلم إلى المراجعة الدائمة و التعاهد المستمر لما يحفظه من القرآن، و لا سيما إذا ذكرناه بما سبق و أبنا عنه من كون حفظ القرآن نعنمة لا تعدلها نعمة بعد الإيمان.
و إذا أراد الواحد منا ان يعدد شيئا من الحكم الربانية من تفلت القرىن من الصدور لذكر منها:
- الابتلاء و الامتحان لقلوب العباد حتى يظهر الفرق بين القلوب المتعلقة بالقرآن المواظبة على حفظه و تلاوته، و بين القلوب التي تعلقت به وقت الحفظ أو وقت إقبالها ثم فترت عنه الهمم و انصرفت عنه حتى نسيته.
- و منها: تقوية دوافع المسلمين الحفاظ لكتاب الله تعالى إلى الإكثار من تلاوته و مراجعته لينالوا الجر العظيم الذي أعده الله تعالى لأهل القرآن، و لو أن المسلم حفظ و لم ينس لما احتاج لكثرة القراءة و المراجعة و التعاهد، فخوف النسيان يدفع المسلم الحافظ لكتاب الله تعالى إلى الحرص على التلاوة و المراجعة، حتى في أوقات إدبار القلوب و قسوتها.
- ومنها: التخلص من شكوى رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم لربه من هجر المسلمين للقرآن الكريم كما في قوله تعالى: (و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) (الفرقان:30)
فقد ذكر أهل العلم عدة أنواع من هجر القرآن منها:
- هجر سماعه، و هجر الإيمان به و الإصغاء إليه.
- هجر العمل به و الوقوف عند حلاله و حرامه و إن أقر به و آمن به.
- هجر تحكيمه و التحاكم إليه في أصول الدين و فروعه و اعتفاد أنه لا يفيد اليقين و أن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
- هجر تدبره و تفهمه و معرفة ما أراد به المتكلم به منه.
- هجر الاستشفاء به و التداوي به في جميع أمراض القلوب و أدوائها فيطلب شفاء دائه من غيره و يهجر أن يداوي قلبه من نوره و هدايته، و كل هذه الأنواع داخلة في عموم الآية السابقة الذكر، و إن كان بعض الهجر أهون من بعض.
و لقد رهبت و حذرت السنة النبوية، بل و أقوال العلماء من تفلت القرآن من صدور حفاظه بالتفريط في تلاوته و مراجعته حتى عدها بعض العلماء من الكبائر، فقال أبو الفضل جلال الدين السيوطي في " الإتقان في علو القرآن" (صـ 105): (مسألة) نسيانه كبيرة، صرح به النووي في الروضة و غيرها. انتهى
و قال ابن المنادي، رحمه الله، في " متشابه القرآن" (صـ52): ما زال السلف يرهبون نسيان القرآن بعد الحفظ لما في ذلك من النقص. انتهى
¥