وهو في اللغة بكاء الميت بعد موته ومدحه، وكذا إذا عددت محاسنه، وكذلك إذا نظمت فيه شعراً (21). ويراد به أيضاً التوجع من الوقوع في مكروه (22).ومنه قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم له: ((لكن البائس سعد بن خولة))، يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة (23).
رابعاً: التأبين:
وهو في اللغة من أَبَنَ الرجل تأبيناً، أي:" مدحه بعد موته وبكاه" (24).
المبحث الثاني: أقسام النعي وصوره:
المطلب الأول: النعي في كلام أهل العلم:
النعي وهو الإخبار بموت الميت إما أن يكون إعلاماً مجرداً، وإما أن يكون إعلاماً بنداء ونحوه، ولكل منهما حكم.
المسألة الأولى: الإعلام بالموت مجرداً:
ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (25)،والمالكية (26)،والشافعية (27)،والحنابلة (28)،وغيرهم (29) إلى جواز الإعلام بالموت من غير نداء؛ لأجل الصلاة، بل ذهب جماعة من العلماء إلى استحباب ذلك (30).
واستدلوا بما في الصحيحين (31) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعاً.
واستدلوا أيضاً بما أخرج الشيخان (32) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شاباً، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها أو عنه. فقالوا: مات، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أفلا كنتم آذنتموني)).
وهذان الحديثان ظاهران في إباحة الإعلام بالموت لأجل الصلاة، بل هما دالان على الاستحباب، ولأن ذلك وسيلة لأداء حقه من الصلاة عليه واتباع جنازته.
ومما يدل على جواز إعلام من لم يعلم بموت الميت لمصلحة غير الصلاة عليه ما في صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتي خبرهم، فقال: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم)) (33).ففي هذا الحديث نعى النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم، ولم يكن ذلك النعي لأجل الصلاة عليهم إنما لأجل إخبار المسلمين بخبر إخوانهم وما جرى لهم في تلك الوقعة. وعليه فيجوز الإعلام بالموت لكل غرض صحيح كالدعاء له وتحليله وما أشبه ذلك (34).وليس ذلك من النعي الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل إن بعض ذلك مما دلت النصوص على فضله واستحبابه، فقد أجمع أهل العلم على أن شهود الجنائز خير وبر وفضل، وأجمعوا على أن الدعاء إلى الخير من الخير، قال ابن عبدالبر:" وكان أبو هريرة يمر بالمجالس، فيقول: إن أخاكم قد مات فاشهدوا جنازته" (35).
وذهب جماعة من أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم (36) كحذيفة بن اليمان رضي الله عنه إلى عدم الإخبار بموت الميت خشية أن يكون ذلك من النعي الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي:" ويروى في ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأبي سعيد ثم عن علقمة وابن المسيب والربيع بن خثيم وإبراهيم النخعي" (37).
واستدلوا بما جاء عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: إذا مت فلا تؤذنوا بي أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. وقال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (38). وقد حسنه الحافظ ابن حجر (39).
ولما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والنعي، فإن النعي من عمل الجاهلية)) (40). قال عبدالله في بيان معنى النعي: أذان بالميت (41). فالنداء ورفع الصوت في
الإخبار بموت الميت من فعل أهل الجاهلية (42).وقد حمل النووي ما ورد عن هؤلاء على الكراهة (43).
¥