وفي رواية أبي سعيد الخدري في تكملة حديث سهل بن سعد الساعدي [فأقول إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، سحقاً، سحقاً لمن بدل بعدي].
(والفرط) هو المتقدم أي أنا أتقدمكم على الحوض.
إذن يرده كل الموحدين إلا من بدل وغير ونافق وكفر.
ب - بيان من يتقدم في الورود عليه ويسبق غيره:
أول مَنْ يتقدم في الورود عليه عندما يخرج الناس من قبورهم وهم عطاش هم صعاليك المهاجرين وفقراؤهم.
المحاضرة التاسعة عشرة: الأربعاء 10/ 4/1412هـ
ثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [أول الناس وروداً على الحوض فقراء المهاجرين، الشُعث رؤوساً، الدُنُس ثياباً، الذين لا ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد].
(الشعث): جمع أشعث، أي شعره متلبد وليس عنده وقت لتمشيطه وتسريحه وتجميله.
(دُنس): أي ثيابهم دنسة، وليس المراد من الدنس فيها نجاسة أو قذارة لكنها ثياب ممتهنة عند الناس قي قلة ثمنها، هذا كما ثبت في سنن الترمذي وغيره بسند حسن [البذاذة من الإيمان] والبذاذاة هي رثة الهيئة وعدم الاعتناء بالملبس، فمتى ما كوى ملابسه فليست دنسة حينئذ فلا يكوي ملابسه لا بنفسه ولا يضعها في دكان كي.
فخلاف حالنا الآن فعندما يريد أن يلبس الغُترة (الكوفية) فتراه لابد أن يجعلها مثل السيف من الأمام ولا نقول هذا حرام لكنها درجة دون الكمال أي أن يأْسِرَ الإنسانَ لباسُه، فليفرض أن هذا اللباس لم يتهيأ له ولذلك البذاذة من الإيمان [من ترك اللباس الفاخر وهو قادر عليه دعاه الله يوم القيامة وخَيَّرَهُ من حُلل الجنة ما شاء].
(الذين لا ينكحون المنعمات) هذا وصف ثالث أي الثريات الموسرات بنات المترفين والأغنياء، فلا يقبلون الزواج بهن.
(ولا تفتح لهم أبواب السُدد) وهذا هو الوصف الرابع، والسُدد هي القصور والمقصورات التي تكون خاصة بالمترفين، مثل بيوت الأمراء ومثل المقاصر التي عملها معاوية وهو أول من عمل المقصورة في المسجد وهي مكان خاص في المسجد لا يدخلها إلا هو وحاشيته ويوجد منها للآن في أكثر بلاد الشام وبلاد مصر وتكون على شكل طابق ثان ٍ لكنه ليس واسعاً وله مصعد خاص وغالباً ما يصلي عليه أناس خاصون فلو جاء إنسان مسكين لاسيما في العصر الأول ليصعد إلى هذه السدة منعوه، فهؤلاء أي الممنوعون هم أول من يرد حوض نبينا عليه الصلاة والسلام.
لِما امتاز الفقراء بهذا الورود؟ ولم يكن هذا للأغنياء من المهاجرين؟ فهم قد تركوا بلادهم وأوطانهم وأموالهم وما يملكون وخرجوا في سبيل الحي القيوم ابتغاء مرضاته ولا غرابة إن كوفئوا بالورود قبل غيرهم، لكن لم يحصل ذلك وفرق بينهم وبين الفقراء؟
إن الإنسان إذا هاجر وكان غنياً وعنده في هجرته ما يستعين به فإن ألم الهجرة والغربة يخف عليه، وإذا هاجر وكان فقيراً فيجتمع عليه أمران ومُصيبتان: الهجرة والفقر.
وإذا كان كذلك فبما أنه في هذه الحياة اعترتهم هذه الشدة فينبغي إذن أن يكرموا قبل غيرهم يوم الفزع الأكبر، لأنه قد اعترتهم شدة وكربة في هذه الحياة من أجل الله سبحانه وتعالى، فَيُطَمْأَن بالشرب أولاً مقابل ما حصل من قلق وخوف في هذه الحياة إذن. والمهاجر الغني ليس أمره كذلك.
وهؤلاء حالهم وإكرامهم كحال خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، فإن الناس يحشرون يوم القيامة حُفاة عُراة غُرْلاً () (كما بدأنا أول خلق نعيده) ويكون أول من يُكسى من هذه المخلوقات خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام والحديث في الصحيحين – لعدة اعتبارات فإن الجزاء من جنس العمل.
1 - فإن إبراهيم عليه السلام ألقي في النار ولما ألقي جرد من ثيابه كيوم ولدته أمه وقُيّد ثم رمي بالمنجنيق في النار العظيمة، وهو نبي من أولي العزم الكرام بل خليل الرحمن!!.
فإذا كان الأمر كذلك وامتهن من قبل الأشرار في هذه الحياة فسيكسى يوم القيامة أول المخلوقات وأهل الموقف كلهم عراة كما ولدوا الرجال والنساء لا ينظر أحد إلى أحد كما قال نبينا عليه الصلاة و السلام، كما قال تعالى: (لكل امرئِ منهم يومئذ شأن يغنيه).
¥