[الإسلام هل يكفر جميع الذنوب أم يكفر الكفر وتوابعه فقط؟]
ـ[سيد أحمد مهدي]ــــــــ[08 - 06 - 08, 06:53 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
قال ابن رجب رحمه الله تعالى في فتح الباري في شرح حديث أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفر الله عنه كل سيئة كان أزلفها، وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها؛ إلا أن يتجاوز الله عنها "
" .... إحسان الإسلام تفسر بمعنيين: أحدهما: بإكمال واجتناب محرماته. ومنه الحديث المشهور المروي في " السنن ": " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه فكمال حسن إسلامه - حينئذ - بترك ما لا يعنيه وفعل ما يعنيه. ومنه حديث ابن مسعود الذي خرجاه في " الصحيحين " أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سئل: أنؤاخذ بأعمالنا في الجاهلية؟ فقال: " من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر ". فإن المراد بإحسانه في الإسلام: فعل واجباته والانتهاء عن محرماته، وبالإساءة في الإسلام: ارتكاب بعض محظوراته التي كانت ترتكب في الجاهلية.
وفي حديث ابن مسعود هذا حديث أبي سعيد - الذي علقه البخاري هنا في أول الباب دليل على أن الإسلام إنما يكفر ما كان قبله من الكفر ولواحقه التي اجتنبها المسلم بإسلامه، فأما الذنوب التي فعلها في الجاهلية إذا أصر عليها في الإسلام فإنه يؤاخذ بها، فإنه إذا أصر عليها في الإسلام لم يكن تائبا منها فلا يكفر عنه بدون التوبة منها.
و قد ذكر ذلك طوائف من العلماء من أصحابنا كأبي بكر بن عبد العزيز ابن جعفر وغيره، وهو قول طوائف من المتكلمين من المعتزلة وغيرهم وهو اختيار الحليمي. ثم وجدته منصوصا عن الإمام أحمد؛ فنقل الميموني في " مسائله " عن أحمد قال: بلغني عن أبي حنيفة أنه كان يقول: لا يؤاخذ بما كان في الجاهلية، والنبي النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول في غير حديث: " إنه يؤاخذ "، يعني: حديث شقيق، عن ابن مسعود: أزاد " إذا أحسنت في الإسلام ". انتهى
وكذلك حكى الجوزجاني عن أهل الرأي أنهم قالوا: إن من أسلم وهو مصر على الكبائر، كفر الإسلام كبائره كلها، ثم أنكر عليهم وجعله من جملة أقوال المرجئة. وخالف في ذلك آخرون، وقالوا: بل يغفر له في الإسلام كل ما سبق منه في الجاهلية من كفر وذنب وإن أصر عليها في الإسلام. وهذا قول كثير من المتكلمين والفقهاء من أصحابنا وغيرهم كابن حامد والقاضي وغيرهما
واستدلوا بقول النبي (صلى الله عليه وسلم) " الإسلام يهدم ما كان قبله ". خرجه مسلم من حديث عمرو بن العاص
وأجاب الأولون عنه: بأن المراد أنه يهدم ما كان قبله مما ينافيه الإسلام من كفر وشرك ولواحق ذلك مما يكون الإسلام توبة منه وإقلاعا عنه جميعا بينه وبين الحديثين المتقدمين. واستدلوا بقوله تعالى (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ([الأنفال: 38].
وأجاب الأولون بأن المراد: يغفر لهم ما سلف مما انتهوا عنه. وتأول بعض أهل القول الثاني حديث ابن مسعود على أن إساءته في الإسلام ارتداده عنه إلى الكفر، فيؤاخذ بكفره الأول والثاني. ومنهم من حمله على إسلام المنافق. وهذا بعيد جدا. ومتى ارتد عن الإسلام أو كان منافقا فلم يبق معه الإسلام حتى يسيء فيه. والاختلاف في هذه المسألة مبني على أصول:أحدها: قول جمهور أهل السنة والجماعة، والخلاف فيه عن الإمام أحمد لا يثبت. وقد تأول ما روي عنه في ذلك المحققون من أصحابه كابن شاقلا والقاضي في كتاب " المعتمد " وابن عقيل في " فصوله ". وأما المعتزلة: فخالفوا في ذلك، وقال من قال منهم كالجبائي بناء على هذا: إن الكافر لا يصح إسلامه مع إصراره على كبيرة كان عليها في حال كفره.
وهذا قول باطل لم يوافقهم عليه أحد من العلماء.
الأصل الثاني: أن التوبة هل من شرط صحتها إصلاح العمل بعدها أم لا؟ وفي ذلك اختلاف بين العلماء، وقد ذكره ابن حامد من أصحابنا وأشار إلى بناء الخلاف في هذه المسألة على ذلك، والصحيح عنده وعند كثير من العلماء: أن ذلك ليس بشرط.
¥