2 - إثبات المعنى، لأن الله سبحانه وتعالى خاطب الناس بلسان عربي مبين، وأمرهم بتدبره. وقال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) يوسف: 2 فحض على تعقله، ولم يستثن شيئاً. وقال: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) ص: 29 فحض على تدبره، ولم يستثن شيئاً. فكل القرآن محل للتدبر، وإدراك المعاني. ما خاطبنا الله عز وجل بأحاجي، وألغاز، وطلاسم، بل خاطبنا بلسان عربي مبين.
3 - تفويض الكيفية، فالكيفية لا سبيل إلى إدراكها، فمن ادعى العلم بالكيفية فهو كاذب؛ فإن التكييف ممتنع عقلاً، محرمٌ شرعاً، كما تقدم.
فلهذا صار يجب علينا في كل صفة أن نثبت لفظها، ومعناها، وأن نفوض كيفيتها إلى الله عز وجل. فإن قال قائل: لا يمكن أن نثبت المعنى إلا بإثبات الكيفية! نقول: هذا غير مسلم، لأننا يمكن أن نعرف المعنى الكلي المشترك، دون أن ندرك الكيفية. وهذا متحقق حتى في المخلوقات؛ فلو أن إنساناً اشترى جهاز حاسب (كمبيوتر) وأخذ يتعامل معه، قد لا يكون يدرك أبداً الدوائر الكهربائية التي داخل الجهاز، وكيف يعمل!
وهذه الإضاءة الكهربائية، وهذا الصوت الذي تنقله هذه اللاقطات يتم عن طريق الكهرباء، نفهم المعنى، ولا ندرك الكيفية.
وإذا طبقنا هذا في مقام الصفات، نجد مثلاً، أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه استوى على العرش، فنثبت الاستواء لفظاً، ونثبته معنىً، فله في لغة العرب أربعة معاني: علا، واستقر، وصعد، وارتفع. وهي معاني معلومة في الذهن، لكن لا يلزم أن تكون مدركة الكيفية.
القاعدة الثالثة: القول في الصفات كالقول في الذات، والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.
هذه القاعدة نرد بها على طوائف من المعطلة الذين ينفون صفات الله عز وجل، زاعمين أن إثبات الصفات يلزم منه التمثيل، أو التكييف، أو التركيب، أو التعدد، أو غير ذلك من الدعاوي.
فنقول لهم: ألستم تثبتون لله تعالى ذاتاً لا تشبه الذوات؟ سيقولون: بلى.
فنقول: فلتثبتوا له صفات لا تشبه الصفات، لأن الصفات فرع عن الذات، يحتذى حذوها، ويسار على منوالها. فكما أن الله تعالى، له ذات لا تشبه الذوات، فله صفات لا تشبه الصفات.
والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر. وهذا يرد به على أهل التعطيل الجزئي، كالأشاعرة، والماتريدية، وعموم الصفاتية، تجدهم يثبتون الصفات المعنوية السبع، أو الثمان، على اختلاف بينهم، فيثبتون لله الحياة، والسمع، والبصر، والإرادة، والعلم، والقدرة، والكلام، و يسمونها الصفات المعنوية.
وينفون ما سواها من الصفات الفعلية، كالنزول، والفرح، والاستواء، والعجب، والضحك التي وردت في النصوص الصريحة الصحيحة.
سبحان الله! لماذا الكيل بمكيالين؟ أليست جميعاًَ صفات لله عز وجل؟ هل فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين صفات وصفات؟ كلا! بل القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر.
ما دمتم تثبتون لله سمعاً، وبصراً، فأثبتوا له نزولاً، واستواءً.
فإن قالوا: لكن النزول والاستواء من صفات المخلوقين، ومن سمات المحدثين.
قلنا لهم: كذلك السمع، والبصر، من صفات المخلوقين، وسمات المحدثين.
فإن قالوا: سمع الله يليق به، وسمع المخلوق يليق به، وبصر الله يليق به، وبصر المخلوق يليق به.
قلنا لهم: كذلك، استواء الله يليق به، واستواء المخلوق يليق به، ونزول الله يليق به، ونزول المخلوق يليق به. فلا فرق، لكن أنتم فرقتم بغير سبب.
ولذلك نجد أن منهج أهل السنة والجماعة منهج مطرد، متناسق، متناسب، يصدق بعضه بعضاً، ليس فيه استثناءات، ولا مماحكات. ومذاهب المخالفين تتسم بالتناقض والاختلاف.
* / قسم العقيدة - كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم