تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما بلغ هذا الحديث – حديث ثوبان رضي الله عنه – عمر بن عبد العزيز رحمه الله بكى وقال: "لقد نكحت المنعمات" ويقصد بها فاطمة بنت عبد الملك، مع أنها تقول – أي زوجته: "ما اغتسل عمر بن عبد العزيز من جنابة - من مباشرة أو احتلام منذ ولي الخلافة حتى لقي ربه". وكانت خلافته مدة سنتين إلا شهرين، ثم قال: "وفتحت لي أبواب السدد" فالقصور تفتح لي عندما أذهب لها "لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث، ولا ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ"؛ لينال هذا الوصف رحمه الله تعالى، أي أن ما مضى مني أسأل الله أن يتجاوز عنه ويعفو بفضله ورحمته، وأما من الآن بعد أن بلغني هذا الحديث فلن أفعل هذه الأمور.

وفاطمة بنت عبد الملك، والدها خليفة وزوجها خليفة، وأخوها خليفة – بل إخوتها الخمسة سليمان والوليد وهشام وغيرهم كانوا خلفاءً، وجدها خليفة فهذه من أعظم المنعمات وما حصل هذا لامرأة أخرى، وهي التي قيل فيها:

بنت الخليفة والخليفة جدها ? أخت الخليفة والخليفة زوجها

فإذن بكى رحمه الله لما بلغه هذه الحديث مع أنه رضي الله عنه جمع زوجته وإماءه وقال لهن: طرأ عليّ ما يشغلني عنكن فإن أردتن الفراق فلكن هذا، وإن أردتن البقاء فليس لي صلة بواحدة منكن .. فبكين بحيث سُمع البكاء في بيوت الجيران، ثم تحدثوا وسألوا ما السبب؟ فقالوا: عمر بن عبد العزيز خيَّر نساءه.

ثم بعد ذلك قال لزوجته فاطمة هذا الحلي الذي عليك لا يحق لنا أخذ تيه من والدك عبد الملك وهذا من بيت المال فأرى أن نعيده في بيت المال، فقالت سمعاً وطاعة فأخذت حليها وأعطته إياه فأعطاه لخازن بيت المال، وخازن بيت المال احتاط فوضعه في زاوية وما صرفه في مصالح المسلمين – وبيت المال في عهد عمر بن عبد العزيز ممتلئ بالخيرات، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد [أن الحبة من القمح كانت في عهد عمر بن عبد العزيز كرأس الثوم] وحفظ هذا بعد موته وكتب عليه: هذا كان ببيت في زمان العدل.

ولما قيل له: إن الخيرات كثرت ونطلب من نعطيه الصدقة فلا نجد، فقال: اشتروا أرقاء وأعتقوهم واجعلوا ولاءهم لبيت المال.

وكان في عهده ترعى الذئاب مع الغنم، وقد ثبت في حلية الأولياء أن بعض التابعين مرّ على راع ٍ يرعى الغنم فوجد عنده ما يزيد على ثلاثين كلباً، فقال له: ما تفعل بهذه الكلاب؟ وواحد يكفي!! فقال: سبحان الله، ألا تعلم أن هذه ذئاب وليست كلاب: فقال: ومتى اصطلح الذئب مع الشاة، فقال الراعي: "إذا صلح الرأس فما على الجسد بأس"، إذن إذا عدل أمير المؤمنين واتقى الله فإن الله يحول بين المخلوقات وبين الظلم.

ورعاة الماشية في البادية علموا بموت عمر بن عبد العزيز رحمه الله ليلة انقضت فيها الذئاب على الغنم، فلما مات عمر وهم في البادية انقضت الذئاب على الغنم، فقالوا: أرخوا هذه الليلة – أي اكتبوا تاريخها – ثم ابحثوا عما حصل فقد مات عمر فلما تحققوا من الخبر علموا أن عمر مات في تلك الليلة رحمه الله ورضي عنه.

هذا هو عمر بن عبد العزيز، فخازن بين المال عندما أعطاه عمر رحمه الله حلي فاطمة، وضعه في زاوية وما تصرف فيه فبعد أن مات عمر رضي الله عنهم أجمعين جاء إليها وقال: هذا حليك الذي أخذه عمر احتفظت به كما كان، فإذا أردتيه فخذيه، فقالت: ما كنت لأزهد فيه في حياة عمر ولأرغب فيه بعد موته.

فانظر لهذا العبد الراشد وهو خامس الخلفاء الراشدين كما قال الشافعي: "فالخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبد العزيز"وهو خليفة راشد باتفاق أئمتنا وهو مجدد القرن الثاني باتفاق أئمتنا لأنه توفي سنة 101 هـ عليه رحمة الله فعاش شيئاً من نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني.

وهو أول مجددي هذه الأمة، وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام في سنن أبي داود وغيره بإسناد جيد [إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها].

س: هل جاء مجددون بعده؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير