تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المناهج الفلسفية والكلامية مثلاً لوجدت أنه يريد أن يفسر ظواهر غيبية ما شاهدها بتفسيرات عقلية ومناهج كلامية، والله يقول: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) [الكهف:51]. لهذا تجد الفيلسوف مثلاً يمضي عشرات السنين وهو يبحث عن علم ما بعد الطبيعة وما وراء الطبيعة، هل هناك إله أو ليس هناك إله؟ وكيف تم الخلق؟ ومتى وجد الخلق؟ إلى آخره، ثم ينتهي به الأمر بعد ستين أو خمسين عاماً إلى نتيجة واحدة، ألا وهي: أن هذا الكون معلول لابد له من علة، ولابد له من صانع. نقول: بعد خمسين سنة تنتهي إلى هذه النتيجة؟ هذه النتيجة يعرفها الصغار منا، فهم يعرفون أن هذا الكون لابد له من خالق، ولذا فنحن نقول: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبدءون من حيث ينتهي الفلاسفة، الفلاسفة ينتهون إلى إثبات أن هذا الكون لابد له من خالق يسمونه صانعاً، الأنبياء يقولون: أنتم مفطورون على أنه لابد له من صانع فاعبدوا هذا الصانع.

عجز العقول عن إدراك حقائق الغيب

إن من أعظم نعم الله علينا أن الله تعالى أرسل لنا الرسل بالوحي المبين؛ ليشرحوا لنا كيف تم هذا الخلق وكيف وجد، وما هي صفات الله وما هي أسماء الله؛ حتى لا نشغل أنفسنا بما لا نستطيع عمله، فإذا ما تم لنا ذلك يأتي المنهاج العملي عند الأنبياء ليقول لك: إن هذا الخالق لابد أن تعبده وحده لا شريك له. إنه خالق يعلم أعمالك ويعلم أفعالك، وهو محسن إليك، ومن ثم فالواجب عليك أن تعبده وحده لا شريك له، وأن هناك جنة وناراً وحساباً وجزاءً إلى آخره. إن منهاج الأنبياء منهاج عمل، ولذا فإنهم عليهم الصلاة والسلام جاءوا بالأخبار والمعلومات الصحيحة من عند الله سبحانه وتعالى، لم يأتوا بشيء لا يستطيع العقل البشري إدراكه، دعوني أضرب لكم مثالاً: الفكر الغربي ظل أكثر من ثلاثة قرون يتخبط في نشأة الإنسان على هذه الأرض، وجاءت قضية نشأة الحياة في الأرض، والجرثومة وتقسمها، ونشأة الحياة وتطور الإنسان، ثم انتهاؤه قبل المرحلة الأخيرة إلى القرد، وهذه القضية ألف فيها مئات المجلدات، ودرست في جميع الجامعات في أنحاء العالم حتى في العالم الإسلامي. إذاً: هل نحن بحاجة إلى هذه القضية بالذات في الفكر الإسلامي؟ أبداً؛ لأنها محسومة عندنا في آية من كتاب الله: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة:30]، إذاً: نشأة الإنسان خلقه الله ثم أنزله إلى هذه الأرض وخلق منه زوجة ثم تكاثر الإنسان في هذه الحياة، هذه قضية معلومة يقينية مائة في المائة لا تحتاج إلى تلك المجلدات وإلى تلك المناقشات. إذاً: استراحت البشرية من قضية كبرى، أليس كذلك؟ بلى، وكذلك أيضاً بقية القضايا، ومنها السماوات وكيف خلقت، وماذا وراءها؟ هذه قضايا لا نستطيع نحن والعلم الحديث بقدراته إلا على أشياء يسيرة جداً، الأرض وهي الأرض لا ندركها إلى الآن تماماً، أما بالنسبة للنجوم والكواكب وغيرها فهناك كواكب يئس من أن يصل إليها، وهناك نجوم وكواكب تبعد عنا مئات الملايين من السنين الضوئية، واحتاروا في الشمس هل يستطيع مركب أن يصل إليها؟ ومن أين لها هذا الوقود الذي يتوهج؟ سؤال ليس عندهم له جواب. إذاً: لو تأملت هذه الأشياء لوجدت أن العقل إذا أدخل أنفسه فيها لم ينته إلى نتيجة إلا بخبر صادق، لهذا فإن الله سبحانه وتعالى أنعم على البشرية بأن بين لهم هذه القضايا بياناً واضحاً ثم أمرهم بالعمل. انتبهوا معي! توحيد الألوهية هو توحيد العبادة وتوحيد العمل، وتوحيد الربوبية هو التوحيد النظري الذي يقر الإنسان فيه بالله وصفاته، وانتهى الإشكال، لكن القضية الأساس التي بعث بها جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هي عبادة الله وحده لا شريك له، فكيف تعبده؟ إنك لن تستطيع أن تعبده على منهج يرضاه إلا بشريعته التي أتى بها الأنبياء، ثم إن الله سبحانه وتعالى كتب على البشرية بأنه لابد من بعث وجزاء ووقوف بين يدي الله، وأنه سيحاسب الجميع، ولهذا تجد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أهل عمل، إن جئت إليه في العبادة فهو صاحب عبادة، وإن جئت إليه في الخلق فهو صاحب خلق، وإن جئت إليه في الإحسان إلى الناس فهو صاحب إحسان، وإن جئت إليه في عمران الأرض فهو صاحب فتوحات وإبداع؛ لأنه يعمر الكون على منهاج ربه سبحانه وتعالى، لكن لما نشأت الفرق الكلامية والمباحثات والمناقشات وغيرها شغلوا بهذه الأشياء النظرية عن العمل، حتى عن أعظم عمل وهو عبادة الله وحده لا شريك له.

..

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير