[التعليقات النقدية على اختيارات وآراء "د. لطف الله خوجة" حول الصوفية (1)]
ـ[عايض الدوسري]ــــــــ[25 - 08 - 09, 04:05 ص]ـ
[التعليقات النقدية على اختيارات وآراء "د. لطف الله خوجة" حول الصوفية (1)]
* ابتدأ نقاش حول الصوفية (ماهيتها وأصلها وأنواعها) في مجموعة د. عبدالعزيز قاسم، وقد تجاذبت الآراء حول مسألة: هل لدينا فكرة صوفية واحدة أو صوفيات؟
ورأيتُ نشر هذا التعليق النقدي في هذا المنتدى تعميمًا للفائدة، وطلبًا للنقد والتمحيص، فبالمدارسة تُصقل الآراء وتكمل التصورات، وتلقح الأفكار.
أبدأ –أولاً- بشكري جميع الأخوة الذين أبدوا ملاحظاتهم الشخصية حول الحوار، و نزولاً عند رغبتهم –بل أمرهم- في مواصلة حوار التصوُّف، سوف أعرضُ ما لديَّ لجميعِ المتابعين، بعيداً عن الجدل الثنائي الذي صاحبه ما لم أكن أحبِّذه.
ولأنَّ محورَ النقاش لم يكن من الواضحات عند البعض –كما توهمتُ خطئًا- ويحتاج إلى مزيد توضيحٍ وتدليل؛ فبإذن الله سأشرع في وضع تعليقاتي النقدية على الفكرة التي طرحها أخونا الفاضل د. لطف الله في رؤيته لأصل التصوف ونشأته.
[عرض رأي د. لطف الله خوجة]
أودُّ –أولاً- أن أنبِّه إلى أني سبق أن اطلعت على رأي أخي د. لطف الله في أبحاثه ومقالاته العلمية. وأزعمُ أن لديَّ تصوراً كاملاً لرأيه قبل تلك المجاذبات الأخيرة. وحين أثير الموضوع ضمن هذه المجموعة رجوتُ أن يكون ثمة مجالٌ لمناقشة رأيه الذي لا أحسبه وُفِّق فيه للصواب.
وقبل الدخول في التفاصيل نحتاج لتوضيح نقطة الخلاف:
فالمشهور بين أهل العلمِ أن التصوف بدأ بين المسلمين بصورة نزوعٍ نحو المبالغة في التقشف والتزهد والانصراف عن الدنيا، ثم دخلت فيه صورٌ من البدع التي بدأت صغيرةً، ثم لم تزل تكبر حتى تمادى كثيرٌ من المتصوفة، فوقعوا في (التصوف الفلسفي) الذي هو أخطر مراتب التصوف.
هذا هو المشهور في كلام العلماء. وأما بعض الباحثين فمن رأيهم أن التصوفَ فكرةٌ واحدةٌ لا اعتدال فيها، كانت موجودةً لدى الأمم السابقة، ثم دخلت على المسلمين، فمنهم من أخذ بها كاملةً، ومنهم من أخذ بعضاً وترك بعضاً. فمن وصل إلى التصوف الغالي، فهو الصوفي حقيقيةً. و أما من لم يصل، فلم يفهم التصوف ولم يحقِّقْه، ولا يُطلق عليه الاسم إلا مجازًا. وعليه فليس هناك صوفية معتدلة وصوفية غالية. فالصوفية كلها فكرة واحدة متطرفة أجنبية عن البيئة الإسلامية.
وهو الرأي هو الذي تبناه أخونا د. لطف الله خوجه في أبحاثه ومقالاته العلمية المنشورة. وحين أقول إنه تبنى ذلك القولَ أو تأثر به، فلست أرى في ذلك أي مذمةٍ أو لمزاً له ما دامَ أخذ رأي هؤلاء عن قناعةٍ بأدلته، فالأفكار والتصورات تنسب لأول من قال بها، و لا عيبَ بعد ذلك أن يؤيدها المتأخر ويأخذ بها. لكن يبقى الشأن في قيمتها العلمية.
[عرض أدلة د. لطف الله خوجة]
يرى أخونا د. لطف الله أنَّ هناك أربع مسائل هي موضع التحرير، وبِفَصلِ القولِ فيها بالأدلة البرهانيَّة؛ يُفصَل القول في القضيَّة الأساس وهي: "فكرة التصوف: هل فيها اعتدال، أو كلها فكرة فلسفية لا اعتدال فيها".
وأولى تلك المسائل –في نظر د. لطف الله- مسألة: " تحقيق نسبة التصوف إلى أيِّ شيءٍ، هل هو إلى الصوف أم إلى كلمة (سوفيا) الفلسفيَّة؟ "
يقول د. لطف الله: (من قال بالتصوف المعتدل، سواء من المتصوفة أو من غيرهم، فإنه استند إلى نسبة التصوف إلى الصوف .. وأما من قال بأن التصوف فلسفي، ليس فيه اعتدال، فإنه استند إلى إنكار نسبة التصوف إلى الصوف).
ثم قال بلغة واضحة لا لبس فيها: (هذا موضع التحرير، فمن ثبت دليله فقوله هو الحق، لا من بطل دليله).
ففي رأي د. لطف الله أن تحرير اشتقاق كلمة (صوفية) هو موضع التحرير. فإن ثبت أن الكلمة مشتقة من لفظ أجنبي، فهي فكرة أجنبية، وإن ثبت أنها مشتقة من لبس (الصوف) فلا.
ما هي الأدلة [البرهانيَّة] التي اعتمد عليها الأخ د. لطف الله في إثبات رأيه؟
شرع د. لطف الله في رفض أغلب المعاني التي يُنسَب إليها التصوف، ثم ضيقَ الخيارات لتنحصر بين خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما القول بأن التصوف من الصوف أم من كلمة أجنبيَّة؟ وانتخب الرأي القائل بعدم "اشتقاق الكلمة" ومن ثم فإنَّها ترجع للكلمة اليونانية "سوفيا".
¥