تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل يوصف الله بالنسيان؟]

ـ[محمود محمد كدييس]ــــــــ[01 - 10 - 09, 05:37 م]ـ

س197: هل يوصف الله تعالى بالنسيان؟ وضح ذلك بالأدلة.

ج197: أقول: إن صفة النسيان من الصفات التي هي كمال باعتبار ونقص باعتبار، وقد تقدم أن منهج أهل السنة في ذلك أنهم يثبتون لله حال كمالها وينفونها عن الله حال نقصها، وبيان ذلك أن يقال: إن النسيان له في لغة العرب معنيان:

الأول: النسيان بمعنى الغفلة والذهول عن الشيء، فهذا نقص لا يوصف الله تعالى به، وهو النسيان المنفي في قوله تعالى:} وما كان ربك نسيًا وفي قوله تعالى:} لا يضل ربي ولا ينسى {، ومثاله أن يضع الإنسان متاعه في مكان فيغفل عنه، بل يكون قلمه في يده وهو يبحث عنه، فهذا نقص والله منزه عن النقص.

الثاني: النسيان بمعنى الترك عن علمٍ وقصدٍ جزاءً ومقابلة للمتروك، فهذا الترك يقال له في لغة العرب نسيان، وهو كمال فيوصف الله به، ولذلك لا تجده في القرآن مضافًا إلى الله إلا في الجزاء والمقابلة، كما في قوله تعالى:} نسوا الله فنسيهم وقوله تعالى:} فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وقوله تعالى:} كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى {، فالنسيان بمعنى الترك عن علم وعمد جزاءً ومقابلة، ومنه أيضًا قوله في الحديث: ((فإني أنساك اليوم كما نسيتني))، وأما النسيان المنفي عن الله تعالى فإنه الذي بمعنى الغفلة والذهول عن الشيء، فهذا هو تفصيل منهج أهل السنة في هذه المسألة، والله أعلم

قال الشيخ حفظه الله

والله ينسى والمراد به هنا ** ترك الإله لفاعل العصيان

علما وعمدا لا ذهولا يا فتى ** فاعرف هنا المقصود بالنسيان

من كتاب إتحاف أهل ألألباب

ـ[أبو مسلم الفلسطيني]ــــــــ[01 - 10 - 09, 07:52 م]ـ

من الثابت في أصول العقيدة الإسلامية أن الله سبحانه وتعالى متصف بصفات الكمال، ومنزَّه عن صفات النقص، وقد قال تعالى مقررًا هذه العقيدة غاية التقرير: {ليس كمثله شيء} (الشورى:11)، وقال سبحانه أيضًا: {أفمن يخلق كمن لا يخلق} (النحل:17)؛ والعقل يقتضي كذلك، أن الخالق غير المخلوق.

وقد وردت في القرآن الكريم بعض الآيات، تتحدث عن نسبة النسيان لله سبحانه، من ذلك قوله تعالى: {نسوا الله فنسيهم} (التوبة:67)؛ وبالمقابل، فقد وردت آيات أخرى، تنفي عنه سبحانه صفة النسيان، كقوله عز وجل: {وما كان ربك نسيا} (مريم:64).

وقد يبدو للوهلة الأولى، أن بين الآيتين تعارضًا؛ فكيف السبيل لرفع ما يبدو من تعارض ظاهر؟

لقد أجاب أغلب المفسرين عن هذا التعارض، بأن قالوا: إن النسيان يطلق على معنيين؛ أحدهما: النسيان الذي هو ضد الذكر ومقابل له، وهو الحالة الذهنية التي تطرأ على الإنسان، فتغيِّب عن ذاكرته بعض الأمور؛ ثانيهما: يطلق النسيان ويراد به (الترك)؛ قالوا: والنسيان بمعنى (الترك) مشهور في اللغة، يقال: أنسيت الشيء، إذا أمرت بتركه؛ ويقول الرجل لصاحبه: لا تنسني من عطيتك، أي: لا تتركني منها.

وبناء على هذا المعنى الثاني للنسيان، وتأسيسًا عليه، وجهوا قوله تعالى: {نسوا الله فنسيهم}، فقالوا: إن الآية جاءت على أسلوب المشاكلة والمقابلة والمجاراة، وهو أسلوب معهود في كلام العرب، بحيث يذكرون الشيء بلفظ غيره؛ لوقوعه في صحبته؛ وبحسب هذا الأسلوب، جاء قول عمرو بن كلثوم في معلقته المشهورة:

ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا

فسمى جزاء الجهل جهلاً؛ مصاحبة للكلام، ومشاكلة له.

ومنه قول جحظة البرمكي، وقد دُعي إلى طعام في يوم بارد، وكان لا يجد ثوبًا يقيه ألم البرد، قال:

قالوا: اقترح لونًا يجاد طبخه قلت: اطبخوا لي جبة وقميصًا

فعبر الشاعر عن حاجته لما يقيه ألم البرد بفعل الطبخ، وإنما فعل ذلك مجارة ومشاكلة لمقدم الكلام.

وعلى هذا الأسلوب جاء القرآن أيضًا، كما في قوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} (الشورى:40)؛ إذ من المعلوم أن السيئة الأولى من صاحبها سيئة؛ لأنها معصية من فاعلها لله تبارك وتعالى، أما الثانية فهي عدل منه تعالى، لأنها جزاء من الله للعاصي على معصيته، فالكلمتان وإن اتفقتا لفظًا، إلا أنهما اختلفتا معنى؛ فالأولى على الحقيقة، والثانية على المقابلة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير