تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قال لك " ماذا تقصد بالمعنى المجازي والمعنى الحقيقي؟ " فقل له: " المعنى الحقيقي هو البينة المؤكدة للشيء ما، أما المعنى المجازي فبينة غير مؤكدة "، وإن قال لك المسلم " أويمكن للنبي أن يستعمل بينة غير مؤكدة؟ "، فقل له: " من عادة الأنبياء أن يشخصوا الجوامد ناسبين إليها عيونا وأفواها، مثلا: " البحر رأى فهرب " مز4 11:3، ليس للبحر عيون في الواقع، لأنه من الجوامد، ويسأله النبي من جديد على أنه كائن حي، فيقول: " مالك أيها البحر قد هربت .. " مز4 11:5، وأيضا:"يأكل سيفي لحما " تث 32:42، يقول الكتاب.

والحال أن فعل الأكل يطبق على فم يأكل ويشرب، وإذا استطاع سيف أن يقطع شيئا ما فلا يستطيع أن يشرب. وهكذا سمى النبي الأفعال كلاما بالمعنى المجازي، في حين أنها لم تكن أقوالا بالضبط بل أفعالا ".

الملاحظ:

1 ـ رغم كون النص يونانيا من حيث التأليف في الأصل، لكنه دال دلالة قطعية على وجود المعرفة بالمجاز المنقولة عن أرسطو كما هو ثابت في كتابه الخطابة و فن الشعر، دال على وجودها في قلب العاصمة الأموية في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، أي قبل ولادة حنين بن إسحق العبادي بنحو نصف القرن الكاملة (194 ـ 260 هـ)، ومن بعده ابنه إسحق بن حنين (215 ـ 298 ه)، ويصعب جدا أن توجد تلك المعارف عند يوحنا الدمشقي بتأثيره المعرفي في ذلك الوقت واستخدامه في النقض على المسلمين دون انتقاله لغيره من تلاميذه والمتأثرين به ومن قامت بينه وبينهم حوارات.

ومن المعروف أن هذا أمر مترجح عند جل الباحثين، أن ثمة معارف وترجمات يونانية (قبلية) على حنين وإسحق، وإن ظل ذلك ترجيحا جمليا أو يستند إلى إحالات ترجع إلى وجادات قديمة مفقودة بدورها لترجمات أو نقولات قبل حنين، لكن ذلك النص بمثابة التدليل اليقيني على هذا الاتجاه.

2 ـ استخدام يوحنا للمجاز هاهنا هو بالمعنى الاصطلاحي عند المتأخرين، فهو بذلك سابق على من يذكرهم المتخصصون في أسبقية من ذكر المجاز من العرب ـ مع ملاحظة أنه كتب ماكتب باليونانية لكن يراعى ما ذكرته في النقطة الأولى من الكفاية في دلالته على وجود المفهوم في ذلك الوقت في دوائر علمية معينة في العالم العربي والإسلامي ـ.

3 ـ إنكار يوحنا في كلامه هذا أن يكون الكتاب (كلمات لله)، هو الاتجاه المعروف بالوحي الروحي، وهو ما يخالف الاتجاه المعروف بالوحي اللفظي أو الإملائي، ويوجد اتجاه آخر هو الاتجاه الميكانيكي في الوحي، وقوله هاهنا بكون الوحي بلاغا عن الله هو من إرهاصات الاتجاه الميكانيكي في الوحي، وهو ـ في نفسه ـ هرطقة عندهم.

4 ـ استعمل يوحنا ضروبا من التأويل والجدل، استعمل المعتزلة والأشعرية ضروبا من جنسها تماما!، فكلامه عن أن الكتاب (بلاغات إلهية) هو تعبير ركيك لقول الأشعرية بعدُ، إن الكتاب (عبارة أو حكاية) عن كلام الله!، واستعمال المسلم المتوهم في الاعتراض عليه لنص داود المزموري (كلام الرب كلام نقي)، هو جنس استدلال أهل السنة بقوله تعالى (حتى يسمع كلام الله) وما يشبهه!.

5 ـ وهذا النص تدليل بين على صحة كلام شيخ الإسلام، وسائر الاتجاه المعروف عند أهل العلم بتأثر المبتدعة عموما بالفلسفات والأديان السابقة، بل هو الذي يقوله الحديث المعروف عن اتباع سنن من قبلنا، ويدلل على بطلان رأي النشار ـ وما أكثرها ـ: " أما مشكلة خلق القرآن ونفي الصفات فقد تأثر فيهما أوائل المعتزلة بصاحبي منهج التأويل ـ الجعد بن درهم وجهم بن صفوان ـ. وقد اتُهم الجعد بن درهم بأنه تأثر بالمانوية عند ابن النديم، وبالصابئة والمسيحية عند ابن تيمية وغيره من المفكرين، وأن الجهم بن صفوان أخذ عن الجعد بن درهم وبالتالي قد تأثر بكل هذه المؤثرات الأجنبية، ونحن نعلم أن الرواقية كانت منتشرة لدى الكنائس الديصانية والمسيحية، فهل حدث تلاق في الأفكار؟ ليس هناك ما يثبت هذا على الإطلاق في العصر الأول، وليس هناك ما يصل جبرية الجهم بجبرية الرواقية، وليس ثم مشابهة بين فكرتي خلق القرآن ونفي الصفات، وبين أية عقيدة رواقية، إن محاولات تحقيق الصلات وتوكيدها من الصعوبة بمكان في هذا العهد المبكر. وقد لاحظنا من قبل أن جهم بن صفوان كان " خارجيا " بمعنى، وكان يشتعل حماسة للإسلام. ولا شك أن نسقه الفكري كان مختلفا عن مفكرين معاصرين، ولكن هل لنا أن نقول إنه على اتصال فكري بالمسيحيين أو الصابئة فلا يوجد ثمة دليل واحد " النشار 1/ 408

أقول: قتل الجعد سنة 124 هـ، وقتل الجهم سنة 128 هـ، ومات واصل سنة 131 هـ، ومات عمرو بن عبيد سنة 143 هـ، فكما ترى أن عتق المعتزلة والجهمية كانوا في النصف الأول من القرن الثاني كذلك، فوجود مثل تلك النقاشات والأساليب التي استخدمها يوحنا الدمشقي ومن بعده تلميذه يوسفيذورس (أبو قرة)، تؤكد حصول ذلك التأثير.

6 ـ يعزى إلى يوحنا أنه من المتوسعين في (التأويل) و (المجاز) هو من الشرقيين ومن قبله (إيكليمنت السكندري) و (أوريجانوس) و (أوغاسطين) من الغربيين، انظر (ابن تيمية وموقفه من التأويل للجلنيد 202 وما بعدها، ودائرة المعارف الكتابية مادة تأويل).

والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير