تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما قول المخالف وفعله سواء كانا مبنيين على اجتهاد سائغ، أو تقليد جائز، أو على غير ذلك من المخالفة للقطعيات؛ فإن بيان دين الله وتعليم العلم والدعوة إليه من أعظم القرب وأحسن الأعمال؛ فكيف إذا كان هذا البيان دعوةً إلى أصل، أو توضيحاً لضروري؛ فإنه من أفضل الأعمال وأوجبها، وإنما قد يُراعى تأخير بيان بعض الأمور رعاية لمصلحة أعظم، أو مفسدة أشد؛ لمعنى في المخالف أو في غيره.

وهذا هو الذي تميز به أهل السنة والجماعة وهو أنهم جمعوا بين طرح منهجهم بجلاء لا يجاملون فيه أحداً من بيان مسائل الدين الكبار، ومحاربة البدع قولاً وفعلاً، وبين معاملة أشخاص المخالفين بما تقضيه الشريعة، ويحقق مقاصدها بقواعد المصالح والمفاسد والعدل والإنصاف، والرحمة الإحسان، وعلى ذلك مضى الأئمة، وكان من أبرز متأخريهم الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فلا ينقضي عجبك من تبحره وطول نفسه في إيضاح مسائل الدين ونقض شبه المخالفين، وهو مع ذلك حسن المعاملة للمخالفين تنظيراً وتطبيقاً.

قال رحمه الله في كلامه عن هجر المبتدع (28/ 210): ( .. فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ولا انتهاء أحد؛ بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها لم تكن هجرة مأموراً بها، كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك: إنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية. فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم سقط الأمر بفعل هذه الحسنة. وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف، ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي. وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة، فلو ترك رواية الحديث عنهم لاندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم. فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب: كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيراً من العكس. ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل) ..

.. (وكثير من أجوبة الإمام أحمد، وغيره من الأئمة، خرج على سؤال سائل قد عَلِم المسؤول حاله، أو خرج خطاباً لمعين قد علم حاله، فيكون بمنزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلّم، إنما يثبت حكمها في نظيرها) ..

.. (فإن أقواماً جعلوا ذلك عاماً، فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به، فلا يجب ولا يستحب، وربما تركوا به واجبات أو مستحبات وفعلوا به محرمات. وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية، فلم يهجروا ما أمروا بهجره من السيئات البدعية .. ). أهـ المقصود من كلامه رحمه الله.

وقال رحمه الله في موضع آخر في نحو ذلك (10/ 365): ( .. وإنما قررت هذه القاعدة ليُحمل ذم السلف والعلماء للشيء على موضعه .. ).

وقال بعد ذكر بعض شطحات الصوفية (5/ 253): (وهذا يبين أن كل من أقر بالله فعنده من الإيمان بحسب ذلك، ثمَّ من لم تقم عليه الحجة بما جاءت به الأخبار لم يكفر بجحده، وهذا يبين أن عامة أهل الصلاة مؤمنون بالله ورسوله ـ وإن اختلفت اعتقاداتهم في معبودهم وصفاته ـ إلاَّ من كان منافقاً يظهر الإيمان بلسانه ويبطن الكفر بالرسول فهذا ليس بمؤمن، وكل من أظهر الإسلام ولم يكن منافقاً فهو مؤمن له من الإيمان بحسب ما أوتيه من ذلك، وهو ممن يخرج من النار ولو كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ويدخل في هذا جميع المتنازعين في الصفات والقدر على اختلاف عقائدهم) ..

.. (ولو كان لا يدخل الجنة إلا من يعرف الله كما يعرفه نبيه صلى الله عليه وسلّم لم تدخل أمته الجنة؛ فإنهم أو أكثرهم لا يستطيعون هذه المعرفة؛ بل يدخلونها، وتكون منازلهم متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم، وإذا كان الرجل قد حصل له إيمان يعرف الله به، وأتى آخر بأكثر من ذلك عجز عنه لم يُحمَّل ما لا يطيق، وإن كان يحصل له بذلك فتنة لم يحدث بحديث يكون له فيه فتنة). أهـ.

وقال (28/ 206): (وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله؛ فإن كانت لمصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك؛ بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر) ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير