كما أنه لا يلزم أن من أذن الله له في الشفاعة وأكرمه بذلك أن يكون الإذن له مطلقاً، لأنه لا فرق في الحقيقة بين ملكية الشفاعة والإذن المطلق فيها، وإنما يكون الإذن مقيداً في كل شفاعة على الخصوص.
ولهذا لم يقبل شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أمه، ولا في أن يستغفر لبعض المنافقين، كما لم يؤذن لإبراهيم عليه السلام في أبيه، ولا لنوح عليه السلام في إبنه، مع أنهم أعظم الناس جاها ومنزلة عند الله، وإنما منع قبول الشفاعة منهم عدم رضى الله عن عمل المشفوع لهم، لكونهم على الكفر، وسيأتي الكلام عن هذا قريباً.
ومن كل ما تقدم تبين أن من جعل المرجح والأصل في قبول الشفاعة مجرد إرادة الشافع، وأنه يشفع عند الله كما يشفع خواص الملوك ومن لهم منزلة عندهم، فإنه يكون بذلك مشركاً، لأنه قد جعل على الله ضرورة من غيره، وقيد إرادة الله ومشيئته بإرادة المخلوق، مهما يكن جاهه ومنزلته عند الله ". من كتاب ضوابط التكفير عبدالله القرني بتصرف يسير
من كلام علماء الشافعية في شرك الاستشفاع:
قال تعالى ((والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)) الزمر (3) قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية: (أي إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صورة الملائكة المقربين في زعمهم فعبدوا تلك الصور تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله تعالى في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمور الدنيا فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين له، قال قتادة والسدي ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد ((إلا ليقربونا إلى الله زلفى)) إي ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة ولهذا كانوا جاحدين له كافرين يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثة وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردها والنهي عنها والدعوة إلى إفراد الله وحدة لا شريك له وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم لم يأذن الله فيه ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه. وأخبر أن الملائكة التي في السموات من الملائكة المقربين وغيرهم كلهم عبيد خاضعون لله لا يشفعون عنده إلا بإذنه لمن ارتضى وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم يشفعون عنده بغير إذنهم فيما أحبه الملوك وأبوه ((فلا تضربوا لله الأمثال)) تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.
وذكر التفتازاني أن شرك المشركين وقع حين «مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله اتخذوا تمثالاً على صورته وعظموه تشفعاً إلى الله تعالى وتوسلاً» شرح المقاصد (4/ 41).
وهذا ما يؤكده العلماء دائماً أن نوع شرك المشركين السابقين: هو شرك تشفع وتوسل بالصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى. ? وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ ? [يونس18].
وقال ابن كثير في تفسير (قل لمن الأرض ومن فيها ان كنتم تعلمون) المؤمنون:84
" ولهذا قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره المعترفين له بالربوبية وانه لا شريك له فيها، ومع هذا فقد أشركوا معه في الالهية فعبدوا غيره معه، مع اعترافهم ان الذين عبدوهم لا يخلقون شيئا ولا يملكون شيئا ولا يستبدون بشيء، بل اعتقدوا انهم يقربونهم اليه زلفى (ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى)
فقال (قل لمن الأرض ومن فيها) ... سيقولون الله) أي فيعترفون لك بأن ذلك لله وحده لا شريك له، فإذا كان ذلك (قل أفلا تذكرون) انه لا تنبغي العبادة الا للخالق الرازق لا لغيره ……. (قل فأنى تسحرون) أي فكيف تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره مع اعترافكم وعلمكم بذلك.) انتهى
وقال الفخر الرازي الشافعي رحمه الله في تفسيره (17/ 59):
((اختلفوا في أنهم قالوا في الأصنام أنهم شفعاؤنا عند الله ..... ))
فذكر صور منها قوله: ((ورابعها أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صورة أنبيائهم وأكابرهم وزعموا متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور ألأكابر على اعتقادهم أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله)).
¥