تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من المعلوم أن العرب في الجاهلية وبعد الإسلام كانت الوسائل الكتابية لديهم بدائية بسيطة، فما عرفوا من الوسائل ما نعرفه نحن اليوم، فقد كانوا فيما مضى يكتبون على جلد البعير، وعلى جلد الشاة، وعلى جرائد النخيل، وأكتاف البعير، وعلى الحجارة الرقيقة البيضاء، وعلى ألواح الخشب، ويجعلون أعواد القصب أقلاماً، فإذا كتبوا على شيء فإنما يكتبون على ما ذكرنا من الجلود والعظام، ولا أعتقد أن أحداً ما سيخالف في هذا فيدعي لهم علم الطباعة الحديث، والورق الرقيق النظيف، فهم في الكتابة إذن بين جلد بعير، أو عُيَيْر، أو جلد شاة ****، أو كتف، أو سعف، وقصب، ودواة؛ هذه هي وسائلهم الكتابية البدائية؛ فلنأتِ إلى الأدلة الدَّالِّةِ على جواز الكتابة على ما ذكرنا باختصار شديد.

الأدلة من القرآن والسنة:

أولاً: دلالة القرآن:

قال تعالى: ((وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ *)) (1).

والشاهد قوله تعالى: ((في رَقٍّ منشور)) فما الرَّقُّ (؟)

قال ابن منظور: (( ... مَا يُكْتَبُ فِيْهِ وَهُوَ جِلْدٌ رَقِيْقٌ)).اهـ (من لسان العرب).

وقال الفيروز آبادي: ((جِلْدٌ رَقِيْقٌ يُكْتَبُ فِيْهِ)).اهـ (القاموس المحيط).

وقال صاحب (البحر المحيط): ((الرق: بالفتح والكسر: جلد رقيق يكتب فيه)).

قلت: وهذا القول هو قول عامة أقوال المفسرين أيضاً، أن الرق: جلد مرقق، أو ما رققت جوانبه، وحواشيه.

قال القرطبي: ((قَالَ الْمُبَرِّدُ: الرَّقُّ ما رُقِّقَ من الجِلْدِ لِيُكْتَبَ فيه , والمنشور المبسوط، وكذا قال الجوهريُّ في الصحاح , قال: والرَّق بالفتح ما يكتب فيه وهو جِلْدٌ رَقِيقٌ. ومنه قوله تعالى: ((في رق منشور)).اهـ

ثانياً: دلالة السنة:

((عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله عنه يقول: لما نزلت ((لا يستوي القاعدون من المؤمنين))، دعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيداً، فجاء بكتف فكتبها ... )) (2).

وعند مسلم: ((فأمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيداً، فجاء بكتف فكتبها)).

قال النووي رحمه الله: ((قوله: (فجاء بكتف فكتبها): فيه جواز كتابة القرآن في الألواح والأكتاف، وفيه طهارة عظم المذكى، وجواز الانتفاع به)) (3).انتهى كلامه.

وعند الترمذي بلفظ: ((ايتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة)) (4).

قال صاحب تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: (((ايتوني بالكتف والدواة): الكتف بفتح الكاف، وكسر التاء، وهو عَظْمٌ عَرِيضٌ، يكونُ في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب، كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم)).اهـ

وفي حديث سراقة بن مالك بن جعشم قال: ((فسألته أن يكتب لى كتاب أَمْنٍ، فأمر عامر بن فُهَيْرَةَ، فكتب فى رُقْعَةٍ من أَديمٍ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... )) (5).

ومن حديث الزهرى قال: ((جاءنى أبو بكر بن حزم بكتاب فى رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هذا بَيَانٌ من الله ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). فتلا منها آيات ثم قال ... )) (6).

والأدم: ((جمع أديم، وهو الجلد المدبوغ))، كما قيل.

وقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه. . .)) (7).

وكان ذلك في بداية الأمر ثم أذن بالسنة بعد فكتبت، والأحاديث في الأمر بالكتابة عنه أو فيمن كتب له صلى الله عليه وعلى آله وسلم سواء كانت للقرآن أم للسنة كثيرة؛ فمن ذلك حديث أبي شاة قال الراوي: فقام أبو شاة ـ رجل من اليمن ـ فقال: اكتبوا لي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((اكتبوا لأبي شاة)) (8).

وقد كان كُتَّابُ الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكتبون ما يوحى به إليه من ربه على ما تقع عليه أيديهم وما يتأتى لهم من جلود، وعظام الأكتاف، والعسب، والرقاع، وغيره ذلك (9).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير