[قصاص المرأة وديتها في الفقه الإسلامي]
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[11 - 01 - 08, 04:34 م]ـ
قصاص المرأة وديتها في الفقه الإسلامي (دراسة فقهية تحليلية)
د. رقية طه جابر العلواني
المقدمة:
لم تزل قضايا المرأة محور اهتمام مشترك بين كافة الاتجاهات في الفكر الديني. ومما يزيد في حدة النقاش حول قضايا المرأة من ميراث وشهادة وديّة وغيرها، طرحها غالباً من قِبل عدد من المستشرقين أو الداعين إلى تطوير المجتمع من خلال الدعوة إلى المساواة المطلقة بين المرأة والرجل في مختلف الأمور. فقد دار اهتمام هؤلاء جميعاً حول إبراز الفقه الإسلامي مكرِساً لفكر ينتقص من المرأة ويقلل من شأنها وإنسانيتها وأهمية دورها في المجتمع.
فلم تنطلق مناقشة تلك القضايا غالباً من فكر أصيل منبثق من دراسة واعية متأنية للنصوص الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، تروم التوصل إلى أقرب الآراء الفقهية في تلك القضايا من النصوص، وأولاها بتحقيق مقاصد الشريعة. وإنما انطلقت من فكر غريب يروم تقمص خطى المساواة المطلقة بين المرأة والرجل كما طرحها الفكر الغربي.
وقضية قصاص المرأة وديتّها من المسائل التي تحتاج إلى طرح فقهي عميق، يميز بين النصوص الواردة فيها من جهة، وبين التأويلات والآراء الواردة حول تلك النصوص من جهة أخرى. هذا ما تروم هذه الدراسة تناوله من خلال المرور على نظام القصاص والدية قبل الإسلام، والوقوف عند النصوص التي استدل بها العلماء في تناولهم للمسألة، ومن ثمّ محاولة الكشف عن مديات تأثر تأويلات العلماء واجتهاداتهم للنصوص الواردة في موضوع قصاص المرأة وديتها، بالأعراف والظرفية الاجتماعية السائدة في عصورهم.
وتروم الدراسة من خلال اتباع ذلك المنهج، تقديم محاولة تنأى بالدراسات الفقهية عن الدوران في فلك ردود الأفعال والدفاع عن آراء فقهية معينة بغية الحفاظ عليها من هجمات أصحاب الدعوات المضادة. تلك الدعوات التي لم تزل تعرض أحكام الشريعة والفقه الإسلامي فيما يخص المرأة، مدلف انتقاص لها وامتهاناً لكرامتها.
ولا تنتهج الدراسة نهج التركيز على ترجيح هذا الرأي أو ذاك، بقدر ما تحاول الكشف عن دور الأعراف والظرفية الاجتماعية وطبيعة النظرة السائدة حول وضعية المرأة في توجيه مسار تأويل النصوص والآراء المثارة حولها من قِبل بعض المجتهدين -رحمهم الله-.
قصاص المرأة وديتها في الإسلام
المبحث الأول: نبذة عن نشأة نظام الدية والقصاص قبل الإسلام.
عرفت بعض القبائل الدية قبل ظهور الإسلام بأمد بعيد، إلا أن ذلك كان وفق أعراف لم تخل في كثير من الأحيان من وقوع بعض الظلم والإجحاف. ويذهب بعض المؤلفين إلى أن معرفة المجتمعات بنظام الدية يعود إلى العهد البابلي، وربما قبله بقليل. فقد ورد الأخذ بالدية في قانون حمورابي في تحديد جزاء الاعتداء على الأطراف بالضرب أو الجرح أو الكسر. إلا أنه فرّق بين الأحرار والعبيد، فقد أخذ بمبدأ القصاص لكل الجرائم التي تقع في حق الأحرار، أما العبيد فقد أخذ فيه بنظام الدية.
وعرف قدماء اليونان كذلك مبدأ التصالح في الجرائم على مال يقدمه الجاني للمجني عليه أو أوليائه. وكان المال يختلف عندهم بحسب حالة المجني عليه ومكانته الاجتماعية. ومع بواكير القرن السابع الميلادي أصبح ذلك قانوناً رسمياً يفرض بموجبه المبلغ الذي يجب دفعه للمعتدى عليه مقابل تنازله عن حقه في القصاص أو الانتقام (1).
ثم إن المجتمعات المتلاحقة توارثت هذا النظام وفق أعراف معينة مختلفة زماناً ومكاناً، ومنها عرب الجاهلية من بدو وحضر. والحضر هم سكان المدن الكبيرة والمناطق الزراعية والذين لا يشكلون إلا قلة من نسبة العرب. أما السواد الأعظم منهم فقد كانوا من البدو الذين اعتادوا حياة التنقل والترحال طلباً للماء والكلأ.
ولعلّ تلك السمات التي رافقت حياتهم، ولدّت فيهم نوعاً من الروح العدائية لا تكاد تهدأ لتثور من جديد، مؤججة نيران الحروب والصراعات فيما بينهم، التي استمر بعضها سنوات طويلة. ولم يكن العرب آنذاك محكومين بسلطة مركزية تفرض عليهم قانون معين أو نظام ما.
وعلى هذا فقد تعارفوا على ما يمكن تسميته قوانين عرفية، نظمت لهم سبل العيش فيما بينهم إلى حد معين.
¥