[الضوابط الشرعية لأسلوب السخرية في الصحافة للشيخ مصطفى أحمد الزرقا -رحمه الله-]
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[08 - 02 - 08, 08:24 م]ـ
السخرية (بضم السين وتخفيف الياء وتشديدها) لغة هي الهزء أو الاستهزاء. يقال: سخر منه وبه , إذا هزئ به اي استهزأ.
وطريقتها العملية: التعبير بكلمات أو خطاب في صورة مدح أحد يراد به ذمّه. كقولنا مثلاً: فلان علامة مفضال , ومقصودنا أنه جاهل , وإنما وصفناه بالعلم استهزاء وسخرية , اعتماداً على القرينة من أسلوب التعبير , أو بعض الإشارات يجريها المتكلم خلال كلامه تشعر بأنه ساخر غير جاد.
جاء في " معجم مقاييس اللغة " لابن فارس:" السين والخاء والراء أصل يدل على احتقار واستدلال ".
والسخرية بهذا المعنى توحي بذم مؤذٍ من الساخر للمسخور منه. وقد يكون المسخور منه صالحاً على عكي ما توحي به السخرية من الذم , فيكون حينئذٍ إيذاءً واضحاً وافتراءً.
وبذلك تكون السخرية من الأسباب التي تورث العداوة بين الساخر والمسخور منه , سواء أكانت بالحق أو بالباطل بقطع النظر عن كون المسخور منه مستحقاً للسخرية أو لا , لأن الإيذاء بالستهزاء يدفع المستهزأ به إلى معاداة المستهزئ في جميع الأحوال.
ومن ثم كانت السخرية منهياً عنها بوجه عام بنص القرآن العظيم حيث جاء في سورة الحجرات: " ياأيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نسآء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهنّ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون " (الحجرات)
وهكذا يبدوا من هذه الآية الكريمة أن السخرية من قبيل الفسوق في نظر الإسلام إذا كان الساخر قاصداً ايذاء المسخور منه. ويخرج من هذا الحكم ما إذا كان مازحاً ويعلم المسخور منه أنه مازح. لكن يبقى على كل حال أن السخرية من الغير هي سلوك غير مباح.
هل ينطبق حكم السخرية على أسلوب الكاريكاتور المصور في الصحف والمجلات اليوم ?
لا شك أن التصوير الكاريكاتوري الشائع في الجرائد والمجلات , وفي الصحافة بوجه عام هو فن خاص ليس مرادفاً للسخرية بمعناها المشروح آنفاً , ولو أن بعض الصحفيين يسميه: الصحافة الساخرة.
ذلك أن فن الرسم الكاريكاتوري يقوم على أساس تضخيم بعض الخصائص في خلقة الشخص وهيئته للدلالة على شخصه بصورة فيها شيئ من الهزل , وربما لا يقصد بها معنى الإيذاء , بل مجرد تعبير هزلي , والهزل غير السخرية , فإن السخرية توحي بالذم بينما الهزل لا يوحي بأي ذم , ولكن يراد به الفكاهة في التعبير , مثل المزاح بين الأصدقاء , فالكاريكاتور التصويري يستعمل في حالات التعبير بوجه عام للدلالة على الشخص بالصورة التي تجسّم بعض هيئته وطبيعته.
فلا يأخذ الكاريكاتور حكم السخرية , ولا سيما إذا أصبح مألوفاً في الصحافة كما عليه اليوم في التصوير التعبيري , لكن قد يكون الكاريكاتور في بعض الحالات والقرائن دالاً على معنى السخرية والطعن والذم فيأخذ عندئذٍ حكمها.
الضابط الشرعي:
نخلص من ذلك إلى أن السخرية الحقيقية هي دائماً أسلوب ممقوت بالنظر الشرعي الإسلامي لا ينبغي للمسلم أن يلجأ إليه في سلوكه التعبيري.
أما الكاريكاتور التصويري الهازل فلا بأس به بحسب المقصود به كما أوضحت , إذا لم تدل القرائن على أن المراد به السخرية والاستهزاء , وإنما هو مجرد تعبير هزلي للفكاهة لا غير.
هذا مايبدو لي والله سبحانه أعلم. .
مصطفى أحمد الزرقا
الرياض في 2/ 7/1417
13/ 11/1996