[كشف المرأة غطاء الرأس بدعوى عموم البلوى]
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[15 - 01 - 08, 12:20 ص]ـ
[كشف المرأة غطاء الرأس بدعوى عموم البلوى]
للشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله
أخي الكريم الدكتور السيد عبد الفتاح الناشد
المحترم حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تلقيت رسالتكم العزيزة , فيها سؤالكم عن إمكان
المرأة المسلمة أن تكشف رأسها مع محافظتها
على حشمة اللباس الساتر شرعاً , وذلك
باعتبار أن كشف الرأس قد أصبح من قبيل عموم
البلوى , وأن ستر الرأس يصبح مانعاً للمرأة من
حضور المؤتمرات والاجتماعات والسفر إلى
بعض البلدان ونحو ذلك.
إن هذا الموضوع – أخي الكريم - يحتمل جواباً
مطولاً مدعوماً بالحجج الشرعية والمنطقية ,
ولا أجد له الآن وقتاً مساعداً , فأكتفي الآن
بجواب موجز , وهو أن كشف المرأة المسلمة
رأسها (ولا سيما في هذا الزمن الذي أصبح فيه
تزيين النساء شعورهنّ على أيدي مزينين أو
مزينات اختصاصيين من أهم فنون التبرج
وعرض الجمال المفاتن) غير جائز شرعاً
لمخالفته صريح القرآن والسنة النبوية الثابتة
بصورة لا تقبل أي تأويل , ولا يدخل هذا
الكشف في دائرة عموم البلوى التي لها مقاييس
في غير هذا الباب , وهو باب الحاجات من
جهة , وصعوبة الاجتناب من جهة أخرى , مثل
الحكم بطهارة الكحول اليوم إذا اعتبر أن
أصل الدليل يستوجب نجاستها , وكسؤر الهرة
التي هي من الطوافين والطوّافات داخل البيوت
ولا يمكن التحرز منها (والأصل أنّ سؤر
الحيوان , وهو ما مسّه بفمه في الشرب , يتبع
لحمه نجاسة وطهارة , والهرّة غير مأكولة
اللحم لأنها سبع مفترس , فكان الأصل نجاسة
سؤرها لولا عموم البلوى فيه) ومثل ذلك
في عموم البلوى اليوم مجالسة المرأة
المسلمة للمرأة غير المسلمة ونحو ذلك.
أما المحرمات القطعية في غير حالات
الاضطراب كشرب الخمر والرّقص المشترك
ولبس الميني جوب أو الميكرو جوب اليوم ,
فهذا لا يكون بحال من الأحوال حاجة تعمّ بها
البلوى فتُباح , فإنّ الإنسان المسلم يستطيع
اجتنابها دون أي حرج. وظنّ الجاهلين أنّ
اجتناب ذلك يجعلهم في حرج حيث يظنّ بهم
الرجعية أو الجمود أو التعصب أو. . . أو. . .
فهو من ضعف شخصيتهم الإسلامية (بعد أن
يكونوا مؤمنين) كمن يترك الصلاة في وقتها
لمتابعة اجتماع هو فيه كيلا يقال عنه أنه
متزمت لا يقدّر الظروف حقّ قدرها!!
والمسلم عليه أن يعتز بتمسكه بدينه (وأوامره
القطعية على الأقل) مهما قال عنه الملاحدة
والفسّاق , وإلاّ لا نحلّ الدين عروة عروة في
تيارات الفساد , فلا يبق منه شيئ.
وقد أمر القرآن النساء المسلمات أن يضربن
بالخمر على جيوبهن , والخمار كساء يستر
الرّأس كله سوى الوجه , والمقصود أن يكون
فضفاضاً يمكن ردّ ذيله على جيب القميص ,
وهو فتحة صدره , كي يستر صدر المرأة , فإذا
كان كشف الرّأس من عموم البلوى , فما قولنا
إذا أصبح أيضاً كشف الأفخاذ والرّقص المشترك
من عموم البلوى , بمعنى أن جميع الناس
المسلمين يمارسونه ويعيّر بعدم فعله من لا
يفعله , هل نفتي بجوازه ديناً مجاراةً للفسّاق
والملاحدة ?
إن الحدود الأساسية للسلوك الإسلامي بحسب
النصوص القطعية لا يمكن التنازل عنها باسم
الدين , لأنه عندئذ تضيع معالم الإسلام.
(وقُلِ الحقُّ من ربّكم فمن شاءَ فليؤمن ومن شاء فليكفر).
إنّ عموم البلوى لا يبيح فعل المعاصي التي
تحريمها تعبير عن نظام الإسلام وتخطيطه
للحياة البشرية الصالحة , وإنما يعتبر عموم
البلوى عذراً فيما أصبح من المتعذر اجتنابه
دون حرج عام , كالنظر دون تقصّدٍ وتتبعٍ
للمرأة المتكشفة اليوم وهي تملأ الشوارع التي
لا بدّ للرجل أن يمشي فيها , ومراكز الأعمال
التي لا بدّ له أن يطرقها أو يوجد فيها.
ومثل ذلك يقال في قبض الموظفين المسلمين
رواتبهم اليوم من الخزينة العامة التي اختلط
فيها المال الحلال بالحرام , وليس للموظف
طريق لاجتنابها إلاّ أن يترك العمل في وظائف
الدولة , وفي هذا ما فيه من الحرج علاوة على
مايؤدي إليه من أن تصبح وظائف الدولة
وأعمالها وقفاً على الذين لا يبالون ما
يفعلون , لا يهمهم تمييز بين حلال وحرام!
والخلاصة: أنّ شيوع الفسق لا يبيحه بحكم
عموم البلوى , لأنّ الفسق وانتهاك المحرمات
لا يمكن أن يكون حاجة عامة أو تتوقف عليه
حاجة عامّة للمسلمين بحال من الأحوال , وإنما
تخضع إباحة المحظورات لقاعدة الضرورات
بحدودها الشخصية وشرائطها وقيودها , مثل
كشف العورة للطبيب لأجل المداواة من مرض.
فالضرورات مقيا سها شخصي , وهي تقدر
بقدرها , أما قاعدة عموم البلوى فمقياسها عام ,
وأساسه تعذر الاجتناب , وإن فعل المحرمات لا
يعتبر من هذا القبيل.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" ما
نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما
استطعتم " رواه البخاري ومسلم.
ومتى كان حضور المرأة المسلمة في المؤتمرات
والندوات مكشوفة الرّأس , مصفّفة الشعر ,
عارضةً لجمالها ومفاتنها , متى كان ذلك حاجة
عامة يتعذر اجتنابها ?
ولا شك أن كشف المرأة رأسها وشعرها الذي
هو من أهم معالم زينتها هو من الفسق بعد قول
الله تعالى في محكم قرآنه: (وليضربنَ
بخُمرهنّ على جيوبهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ لبعولتهنّ).
فالمرأة التي تفعل شيئاً من هذه المحرمات
القطعية إذا فعلت ذلك وهي معتقدة لحرمتها
مؤمنة بها , ولكنها ضعيفة الإرادة والشخصية
لا تستطيع الامتناع عنها , هي عاصية حكمها
كسائر من يرتكبون المعاصي وهم مؤمنون ,
ويستحقون العقوبات الزاجرة لو كان هناك حكم
إسلامي سائد.
وأما إن كانت المرأة مستبيحة لشيئ من
المحرمات القطعية , أي: غير مؤمنة
بحرمتها , فإنها تخرج بذلك عن الإسلام والعياذ
بالله. وهذه قاعدة لا خلاف فيها بين علماء
الشريعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم فمن بعدهم من أئمة الإسلام , ومعظم
الناس والنساء المنطلقات اليوم عنها غافلون.
هدانا الله تعالى إلى سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.