[هل هناك عقبات تحول دون توحيد الفقه الإسلامي؟]
ـ[عبد القادر بن محي الدين]ــــــــ[16 - 02 - 08, 11:48 م]ـ
[هل هناك عقبات تحول دون توحيد الفقه الإسلامي؟]
الأستاذ مصطفى الزرقا يجيب عن هذا السؤال الهام:
توحيد الفقه الإسلامي رغبة تتردد أصداؤها على ألسنة بعض الناس منذ سنوات، و رغم أن هذه الرغبة تجد صدى طيبا و تجاوبا عند الكثيرين، لكنَّ هذه الرغبة يتضح عدم جدواها من الناحية العلمية، حينما نتعرف على فوائد تعدد الاجتهادات في المسألة الواحدة.
لقد توجهت (المسلمون) بهذا السؤال الذي طرحه عليها العديد من القُرَّاء إلى عالم فاضل، و فقهي موسوعي معروف بأنه أحد أعلام الفقه و القانون في العالم الإسلامي في عصرنا الحاضر، و هو فضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقا.
فأدلى فضيلته مشكورا بالإجابة الآتية:
أولا: توحيد الفقه تصور خيالي ساذج و غير ممكن:
يستحيل توحيد الفقه ليس في العالم العربي و الإسلامي فحسب، بل أيضا في دنيا القانون و علمائه كافة‘ إذا قصدنا في التعبير بالفقه معناه الحقيقي العلمي في اصطلاح المتشرعين.
إن النظم عامة في كل مجتمع نظامي، سواء أكان نظامه وضعيا أم كان إلهي المصدر، إنما تتألف من نصوص إلزامية، و إن النصوص دائمًا لا يمكن أن تستوعب بالصراحة كل الحالات الممكنة الوقوع، فإذا وقعت حوادث مما سكتت عنها النصوص، فلابد عندئذ من إعمال الفكر لإعطاء الحادثة حكما مناسبا لروح النصوص، أقرب إلى غرض الشارع، و ذلك بطريق القياس، أو بالتخريج على القواعد العامة، و هذا فقه.
و قد تتعدد وجوه القياس، فتبدو للفقهاء في المسألة الواحدة طرق قياسية عديدة كل منها وجيه النظر، فتختلف آراؤهم في أيها هو الأوجه و الأقوى، و يختلف في النتيجة و الحكم الذي يترجَّح في نظر كل منهم.
هذا من جهة، و من جهة أخرى قد يكون النص نفسه يحتمل أن يفهم على أكثر من وجه، و تكون كلها مقبولة رغم اختلافها، فهذا مجال واسع في فهم النصوص و تفسيرها تختلف فيه آراء العلماء للمتشرعين في ترجيح الفهم؛ الذي يرى العالم الفقيه أنه هو الصحيح، أو الأصح، أو الأقرب إلى غرض الشارع، أو الأكثر انطباقا على القواعد المقررة المستمدة من مجموع النصوص ذات العلاقة في كل موضوع.
و كل ذلك أيضا هو فقه يقوم حول النصوص التشريعية، فهما لها، و قياسا عليها، و تفريعا على قواعدها، و تخصيصا لعموماتها بالقرائن، أو تعميما للخاص منها، و نحو ذلك مما لا يمكن أن تتحد فيه فهوم العلماء، فكيف يمكن توحيد الفقه إذًا؟ إن ذلك لا يمكن إلا إذا أمكن الحجر على أفكار العلماء المتشرعين، حتى لا يستطيع أحد أن يفهم من النص التشريعي غير ما يفهمه سواه، و لا أحد يتصور إمكان هذا الحجر!! فلابد أن تختلف آراء الفقهاء حول النصوص.
و هذه واقع في ظل نصوص التقنين الوضعي، كما في نصوص الشريعة الإسلامية من الكتاب و السنة النبوية، و الفقه القانوني زاخر بالآراء و النظريات و المذاهب المختلفة، بل و المتعاكسة في كثير من مسائله و موضوعاته.
تعدد المذاهب و اختلاف الاجتهادات:
و من ثم تتكون المذاهب الفقهية نتيجة لاختلاف الآراء الاجتهادية في تنزيل الوقائع على النصوص و القواعد: فتختلف آراء الفقهاء في العقود صحة و بطلانا، و في الحقوق و الالتزامات المالية، و في التكاليف العملية، و في التحريم و الإباحة إثباتا و نفيا، و كلهم يستندون إلى نصوص تشريعية و قواعد واحدة، و كل ذلك من الفقه الذي يقوم في كل نظام تشريعي حول نصوصه و تفسيرها، و استنتاج الأحكام منها.
و لنأخذ للإيضاح على سبيل المثال من العبادات نص من القرآن العظيم في الوضوء لأجل أداء الصلاة: فقد أمر بغسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و غسل القدمين، فثارت في الفكر الفقهي في ضوء هذا النص تساؤلات كثيرة منها:
هل من اللازم لصحة الوضوء أن يبدأ المكلف بالعضو الذي ذكره القرآن أولا و يثني بما ذكره ثانيا، و هكذا ... و هي مسألة الترتيب في الوضوء بين الأعضاء؟
¥