إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي. وهو مذهب: الحنفية (65)، والمالكية (66). ...
وقول:علي بن أبي طالب (67)، وشريح بن الحارث الكندي، (68) وإبراهيم بن يزيد النخعي (69)، ومجاهد بن جبر المكي (70)، ومحمد بن سيرين البصري (71)، وعطاء بن أبي رباح المكي (72)، وقتادة بن دعامة السدوسي (73)، وسفيان بن سعيد الثوري (74)، والليث بن سعد الفهمي (75)، وسعيد بن عبدالعزيز التَّنُوْخِيّ (76).
وفِعل: شريح (77)، وابن سيرين (78). واختاره: ابن العربي محمد بن عبدالله. (79)
المطلب الثاني: استدلالهم من القرآن والسنة والأثر والمعقول.
وفيه أربعة مقاصد:
المقصد الأول: استدلالهم بالقرآن.
وذلك تعلقاً بقوله تعالى: "وَإِذََا قُرِئَ القُرْءَانُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ". (80)
وإذا دخل والإمام يخطب فصلى ركعتين فصلاته هذه تُضَادّ الإنصات؛ فهذه الآية نزلت في الخطبة، فسمى الخطبة قرآناً؛ لما يتضمنها من القرآن. (81)
المقصد الثاني: استدلالهم بالسنة.
وذلك بأربعة أدلة: ... ... ... ...
الدليل الأول: حديث عبدالله بن بُسْر (82) قال: ((جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة))، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجلس فقد آذَيْتَ وآنَيْتَ " (83).
قال حُدَير بن كريب أبو الزاهرية (84): ((وكنا نتحدث حتى يخرج الإمام، أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر هذا الرجل بالجلوس ولم يأمره بالصلاة)). (85)
الدليل الثاني: حديث جابر بن عبدالله: ((أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فجعل يتخطى الناس))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجلس فقد آذيت وآنيت ". (86)
الدليل الثالث: حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب (87) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إذا دخل أحدكم المسجد والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام ". (88)
الدليل الرابع: الروايات المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن من قال لصاحبه: ((أنصت)) والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغا. (89)
ففي حديث أبي هريرة عبدالرحمن بن صخرالدوسي (90) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت ". (91)
وهذا يفيد بطريق الدلالة منع الصلاة وتحية المسجد؛ لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى من السنة وتحية المسجد، فمنعه منهما أولى. (92)
وفي الباب (الإنصات) حديث أبي هريرة مثله (93)، وآخَرَيْنِ له كذلك (94)، وحديث أبي الدرداء عويمر بن مالك الأنصاري (95)، وحديث أبّي بن كعب الخزرجي (96)، وحديث سلمان الفارسي (97)، وحديث أبي سعيد الخُدري وأبي هريرة (98)، وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص (99)، وحديث أوس بن أوسٍ الثقفي (100)، وحديث آخر لسلمان الخير (الفارسي) أيضاً. (101)
ففي هذه الأحاديث الأمر بالإنصات إذا تكلم الإمام، فذلك دليل أن موضع كلام الإمام ليس بموضع صلاة. (102)
المقصد الثالث: استدلالهم بالأثر.
وذلك باثني عشر أثراً:
الأثر الأول: عن عبدالله بن عباس الهاشمي (103)، وابن عمر رضي الله عنهما: " أنهما كانا يكرهان الصلاة والكلام يوم الجمعة بعد خروج الإمام ". (104)
وفي رواية: " كان ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما يكرهان الكلام إذا خرج الإمام يوم الجمعة ". (105)
والحاصل: أن قول الصحابي حجة فيجب تقليده عندنا (الحنفية) إذا لم ينفه شيء آخر من السنة، ولو تجرد المعنى المذكور عنه، وهو أن الكلام يمتد طبعاً، أي يمتد في النفس فيخل بالاستماع، أو أن الطبع يفضي بالمتكلم إلى المد فيلزم ذلك (الإخلال بفرض استماع الخطبة)، والصلاة أيضاً قد تستلزم المعنى الأول فتخل به، استقل بالمطلوب. (106)
الأثر الثاني: أثر ثعلبة بن أبي مالك القرظي: " أن جلوس الإمام على المنبر يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام".
وقال:" إنهم كانوا يتحدثون حين يجلس عمر بن الخطاب (108) رضي الله عنه على المنبر حتى يسكت المؤذن، فإذا قام عمر رضي الله عنه على المنبر لم يتكلم أحد حتى يقضي خطبتيه كلتيهما، ثم إذا نزل عمر رضي الله عنه عن المنبر، وقضى خطبتيه تكلموا". (109)
¥