الإمام ولي الأمر أو أهل القضاء أهل الفتيا أو الوزير في وزارته أو الرئيس في رئاسته إلى آخره، قد يكون عنده نقص في بعض المسائل، أو قد يرى المصلحة في شيء ويكون عند بعض الرعية رأي آخر في ذلك، فكيف يبديه له، هنا الرعية غير مناط بها أن تجعل نفسها هي المدركة للمصالح والمحافظة على المصالح العليا المصالح المتوسطة والمصالح الفردية ربما تخاطب بها بحسب الحال لكن المصالح العليا، لا.
[مشاركة الفرد في تحقيق المصالح العليا تكون بالنصيحة والبيان]
فإذن كيف يشارك الناس في تحقيق المصالح العليا بمبدأ المشورة، بمبدأ النصيحة، بمبدأ إعطاء الأمر والبيان في هذا، فالمشاركة مطلوبة، فليس معنى أن يكون المناط بالجهات هم أهل رعاية المصلحة معناه أن لا يشارك في ذلك، المطلوب أن يشاركوا لكن بحسب الطريقة الشرعية.
ولهذا قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في الحديث الصحيح «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة» ثلاثا قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة الناس وعامتهم» لماذا النصيحة لأئمة المسلمين؟ أئمة المسلمين: إمام المسجد في مسجده، وولي الأمر الإمام في إمامته العظمى، كل بحسب الحال، فهنا يأتي مبدأ النصيحة مبدأ النصيحة يكون بخلقه وبكلماته؛ لأنه يكون محقق المصلحة فتلفت نظره إلى شيء ربما لم يكن ملتفتا إليه.
[بعض المخالفات الناتجة عن الافتئات عن أولي الأمر]
لكن لو لم يحصل ذلك؛ بل حصل افتئات جاءت جهة وقالت: نحن الأدرى بمصالح الأمة ونريد الإصلاح. بدون الرجوع إلى صاحب المصلحة الذين أناطه بها الشرع بقوله «والإمام راع ومسؤول عن رعيته» قولها: نحن المؤهلون لذلك فا يحصل فيه عدة مخالفات شرعية:
أولا: أنه معصية لله جل وعلا ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما الله جل وعلا فقوله ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ? [النساء:59]، وفي قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني».
فهنا المصلحة متحققة بهذه الرعاية، له أن يسعى في المصالح والإصلاح؛ لكن في قناة صاحب الاختصاص شرعا وهو الإمام أو نائبه أو الجهات المختصة.
المفسدة الثانية من أن الناس هو الذين يلون هذا الأمر: أن فيه منازعة الأمر لأهله وشق عصى الطاعة.
المفسدة الثالثة: أنها مخالفة لهدي السلف وهدي السلف هو الأكمل.
المفسدة الرابعة: أن فيها غرس لبذور الفتنة والاختلاف، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول «الجماعة رحمة والفرقة عذاب» رواه الإمام أحمد وغيره بإسناد جيد الجماعة رحمة والفرقة عذاب، وجاء في الأثر عن أحد الصحابة -أظنه ابن مسعود أو غيره- يقول: فوالله لما تخشون في الجماعة أحب إلي مما ترجون في الفرقة. ما تخشون في الجماعة؛ يعني الأشياء التي لا تحبونها مع بقاء الجماعة والاجتماع والائتلاف أحب إلي -وهو الصحابي المشهود له- قال: أحب إلي مما ترجون في الفرقة، لماذا؟ لأن الفرقة كل ما فيها أحلام لا تتحقق، لما يأتي واحد يقول: لا، هذه فرقة بسيطة ما تضر لو يحصل، لابد نقول كذا، الحق نعمل كذا، الحق أن نفعل هذا، الحق أن ننكر المنكر بالطريقة هذه، الحق أن نقتل بهذه الطريقة، الحق أن نفعل بهذه، هذه أشياء متوهمة لا تحقق مصلحة، والتاريخ لمن قرأه شاهد من أوله إلى يومنا الحاضر، فتحقيق المصالح بالاجتماع وتحت راية هذا هو الذي يكون معه الكثير من إدراك الأمور؛ لكن مع ذلك هل نرجو دائما أن تكون الأمور على وجه الكمال؟ يا إخوان الكمالات لا وجه لها في تحقيق المصالح ودرء المفاسد، دائما الله جل وعلا جعل الدنيا مدافعة، مدافعة بين الخير والشر، حكمة من الله جل وعلا أن يأتي الشر يكثر ثم يضعف، وأن يكون هناك في مدافعة له لينظر العباد ماذا يفعلون، هل جاهدوا بالطريقة الشرعية؟ هل سلكوا الطريق الشرعي في الإصلاح، في إنكار المنكر؟ هل تربى الناس، ربوا أولادهم، ربوا أُسْراهم؟ هل كان عندهم قناعة وعقيدة في دينهم ولم يكترثوا بالتيارات المخالفة للعقيدة من التيارات الشرقية والغربية ونحو ذلك، هذه ابتلاءات عظيمة الله جل وعلا يقضيها ويقدرها، كيف لا ونوح عليه السلام مكث في قومه كم؟ ألف سنة إلا خمسين عاما، لماذا؟ ما حصل له؟ ما آمن معه إلا
¥