وَهَلْ يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ بَيْعَهَا، وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ، ذَكَرَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ، أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الِاسْتِيلَادِ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِحَالٍ.
وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِمَمْلُوكٍ فِي مِلْكٍ غَيْرِ تَامٍّ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الِاسْتِيلَادِ، كَأَمَةِ الْعَبْدِ الْقِنِّ.
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ، لَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا، وَلَا نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهَا، فَإِنْ عَتَقَ، صَارَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ، تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، فَيَثْبُتُ لَهَا مِنْ حُرْمَةِ الِاسْتِيلَادِ، مَا يَثْبُتُ لِوَلَدِهَا مِنْ حُرْمَةِ الْحُرِّيَّةِ.
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ تَعْلَقَ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وَطْءٍ مُبَاحٍ أَمْ مُحَرَّمٍ، مِثْلُ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ، أَوْ النِّفَاسِ، أَوْ الصَّوْمِ، أَوْ الْإِحْرَامِ، أَوْ الظِّهَارِ، أَوْ غَيْرِهِ.
فَأَمَّا إنْ عَلِقَتْ مِنْهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، لَمْ تَصِرْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ، سَوَاءٌ عَلِقَتْ مِنْهُ بِمَمْلُوكٍ، مِثْلُ أَنْ يَطَأَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ زِنًا أَوْ عَلِقَتْ بِحُرٍّ مِثْلُ أَنْ يَطَأَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ غُرَّ مِنْ أَمَةٍ، وَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَاسْتَوْلَدَهَا، أَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاسْتَوْلَدَهَا، فَبَانَتْ مُسْتَحَقَّةً، فَإِنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ، وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِحَالٍ.
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ إنْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ.
وَالْمَقْصُودُ بِذِكْرِ هَذِهِ الشُّرُوطِ هَا هُنَا، ثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا، وَأَمَّا انْتِفَاؤُهُ عِنْدَ انْتِفَائِهَا، فَيُذْكَرُ فِي مَسَائِلَ مُفْرَدَةٍ لَهَا.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أَنْ تَضَعَ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ؛ مِنْ رَأْسٍ، أَوْ يَدٍ، أَوْ رِجْلٍ، أَوْ تَخْطِيطٍ، سَوَاءٌ وَضَعَتْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، وَسَوَاءٌ أَسْقَطَتْهُ، أَوْ كَانَ تَامًّا.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا، فَقَدْ عَتَقَتْ وَإِنْ كَانَ سَقْطًا، وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا، وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا سَقْطًا، قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أُمُّ الْوَلَدِ، إذَا أَسْقَطَتْ، لَا تَعْتِقُ؟ فَقَالَ: إذَا تَبَيَّنَ فِيهِ يَدٌ، أَوْ رِجْلٌ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَقَدْ عَتَقَتْ.
وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إذَا تَلَبَّثَ فِي الْخَلْقِ الرَّابِعِ، فَكَانَ مُخَلَّقًا، انْقَضَتْ بِهِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ، وَأُعْتِقَتْ بِهِ الْأَمَةُ.
وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ، فَأَمَّا إنْ أَلْقَتْ نُطْفَةً، أَوْ عَلَقَةً، لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَلَدٍ.
وَرَوَى يُوسُفَ بْنُ مُوسَى، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي الْأَمَةِ إذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً؟ قَالَ: تَعْتِقُ.
وَهَذَا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ.
وَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّ، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ، أَنَّ فِيهَا صُورَةً خَفِيَّةً، تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّهُنَّ اطَّلَعْنَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي خَفِيَتْ عَلَى غَيْرِهِنَّ.
¥