أما الإسناد: فللتردد من الراوي، فمرَّة قال: عن أبي عامر أو أبي مالك بالشك، ومرَّة قال: عن أبي عامر وأبي مالك بالعطف، ومرَّة عن أبي مالك وحده، ومرة عن أبي عامر وحده (38).
وأما اضطراب المتن فمن أوجه: (39)
1. جاء فيه لفظة: (يستحلون)، وقد ذكره البخاري في التاريخ بدونها.
2. وعند أحمد بلفظ: (ليشربَنَّ أُناس من أمتي الخمر ... ).
3. جاء في رواية: (يستحلون الحر) بمهملتين، وفي رواية أخرى بمعجمتين (الخز).
وأُجيب عن هذا الاعتراض:
بأنه " لا يُعَلُّ الخبر بالاضطراب إلا إذا تكافأت الوجوه المختلفة قوة، ولم يمكن الجمع أو الترجيح، أما مع إمكان ذلك فهو ضرب من التساهل، يؤدي إلى إبطال العمل بالكثير من الروايات؛ لكثرة ورود مثل ذلك في الأسانيد والمتون، والاعتراض المذكور من النوع الآخر؛ إذ أن كل ما أورد فيه ممكن فيه الجمع أو الترجيح" (40).
فأما الاضطراب في سنده، فإن الراجح عن أبي مالك الأشعري، وهو صحابي مشهور، على أن التردد في اسم الصحابي لا يضركما تقرر في علوم الحديث، فلا التفات إلى من أَعَلَّ الحديث بسبب التردد (41).
وأما دعوى اضطراب المتن فالجواب عنه من أوجه:
الوجه الأول: "أنه لا ينبغي أن يُتعقب على نصوص الروايات الواردة في الكتب المعتمدة التي اعتنى أصحابها بجمع متونها بمثل ما ذكر، وكيف يقال مثل هذا والبخاري نفسه ممن أورد هذا اللفظ في صحيحه؟، والتحفظ في المتون من مقصود الصحيح، فلو كان أهمله في (التاريخ) لِعِلَّة عنده فيه، فكيف ارتضى إيراده في (الصحيح) جازماً به؟ وأين تكون منزلة (التاريخ) بالنسبة للصحيح من هذه الجهة؟. وأقل ما يقال في هذا أن هذا اللفظ زيادة ثقة ليس لها معارض فوجب قبولها " (42).
الوجه الثاني: أن ترك بعض ألفاظ الحديث في بعض الروايات غير قادح، وأبو داود لم يذكر لفظة (المعازف) اختصاراً، ولكنْ ذكرها غيره، وثبتت في الصحيح؛ لأن الراوي قد يترك بعض ألفاظ الحديث تارة، ويذكرها أخرى (43).
الوجه الثالث: أن ضبط لفظ (الحر) بالحاء والراء المهملتين هو ما عليه معظم الروايات من صحيح البخاري (44)، مع أنه " لو بقي الاختلاف في ضبط هذا اللفظ قائماً فإنه غير قادح في سائر الحديث كما لا يخفى، خصوصاً وأن مثله مما يَقْبَل التصحيف" (45).
الاعتراض الرابع: أن لفظة: (يستحلون) ليست نصاً في التحريم؛ فلها معنيان:
1. أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال.
2. أن يكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور (46).
وأُجيب عنه: "بأن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب، وأما دعوى التجوز، فالأصل الحقيقة، ولا ملجأ إلى الخروج عنها" (47).
الاعتراض الخامس: أن لفظة (المعازف) مختلف في مدلولها بين الآلة وغيرها، وإذا كان اللفظ محتملاً لم ينتهض للاستدلال به؛ لأنه إما أن يكون مشتركاً والراجح التوقف فيه، أو حقيقة ومجازاً ولا يتعين المعنى الحقيقي.
وأُجيب عنه: بأن لفظة (المعازف) تدل على تحريم استعمال ما صدق عليه الاسم، والظاهر الحقيقة في الكل من المعاني المنصوص عليها من أهل اللغة، وليس من قبيل المشترك؛ لأن اللفظ لم يوضع لكل واحد على حده بل وضع للجميع.
الاعتراض السادس: "أنه يحتمل أن تكون المعازف المنصوص على تحريمها هي المقترنة بشرب الخمر".
وأجيب عنه: بأن الاقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط، وإلا للزم أن الزنا المصرح به في الحديث لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف، واللازم باطل بالإجماع والملزوم مثله (48).
الحديث الثاني:-
عن نافع قال: سمع ابن عمر رضي الله عنه مزماراً، قال: فوضع إصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي: "يا نافع هل تسمع شيئاً"؟ قال: فقلت: لا، قال: فرفع إصبعيه من أذنيه وقال: "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا" (49).
وجه الاستدلال: أن فعل ابن عمر رضي الله عنه هذا والذي قلَّد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، يدل على أن استماع هذا الصوت محرم، ومثله العزف بهذه الآلة، وغيرها من المعازف مثلها؛ لأنها أشد منها إطراباً.
الاعتراضات الواردة على الاستدلال بهذا الحديث:-
¥