واعتُرض عليه: بأن القول الراجح عدم جواز التداوي بذلك؛ بل وبكل محرم؛ إذ الله عز وجل لم يجعل شفاءنا فيما حَرَّم علينا (126)، وعلى القول بجواز التداوي بذلك، فإنه إذا كان سماع العود نافعاً من بعض الأمراض، فينبغي تقييد الإباحة لمن له ذلك المرض دون غيره، وانحصر النفع بأن لم يوجد دواء حلال ينفع فيه غيره (127).
4. أنَّ العود موضوع على حركات تنفي الهم وتزيد النشاط.
واعتُرض عليه: بأن العود أكثر الملاهي طرباً، وأشغلها عن ذكر الله عز وجل وعن الصلاة (128).
الترجيح:
الراجح في هذه المسألة هو القول بتحريم الاستماع إلى المعازف، وتحريم العزف والغناء عليها فتحرم المعازف بجميع أنواعها، القديم منها والحديث، متى ما انطبق عليها تعريف المعازف، باستثناء الدفوف، التي جاءت السنة باستثنائها في حالات خاصة، كالعرس للنساء، وفي العيد للجواري الصغار.
والتحريم عام للرجال والنساء، وفي جميع المناسبات المختلفة؛ كالأعياد والأعراس ووقت الحرب وغيرها من المناسبات، وسواء كانت منفردة أو مصحوبة بالغناء، وسواء كان سماعها مباشرة أو بواسطة أجهزة التسجيل.
وإنما قلنا بالتحريم في هذه الأحوال كلها؛ لعموم نصوص التحريم، وعدم الدليل المخصص لنوع دون نوع وحال دون حال، ولا عبرة بقول من خصص نوعاً من الآلات، أو زمناً من الأزمان، أو مناسبة من المناسبات بالجواز؛ إذ الأدلة لم تستثن شيئاً من ذلك، فلأجل ذلك قلنا بالعموم.
كما أن العِلَلَ والحِكَم التي استُدل بها على التحريم موجودة في هذه الآلات كلها بغض النظر عن الأحوال والأزمان.
وإنما رجحنا هذا القول لأمور منها:
(1) صحة بعض الأحاديث التي حرمت آلات اللهو والمعازف، فيجب الإذعان لأي حكم استند إلى حديث واحد صحيح الإسناد والدلالة، فكيف وقد جاءت في ذلك أحاديث كثيرة في النهي عن الآلات الموسيقية وآلات الطرب، والعمل بالنصوص الشرعية مقدم على غيره.
(2) ولأن في سماع هذه الآلات تشبه بفعل أهل الفسوق والعصيان؛ ولما في ذلك من الغفلة وذهاب الرجولة ونحو ذلك.
(3) وللعِلَل والحِكَم التي ذكرها أصحاب هذا القول.
(4) أن ما اعتُرض به على أكثر أدلة هذا القول قد أجيب عليها، بخلاف أدلة الإباحة، فلم يَسْلَم منها دليل واحد، بعد أن أوهنتها الاعتراضات التي أُورِدت عليها.
"ويصح القول بأن المعازف من المسائل المجمع على تحريمها ويقوي هذا النقل أمران:
الأول: لم يشتهر عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم القول بالإباحة، ولم يُنقل عنهم ذلك بسند صحيح، والمعروف عنهم تحريمها.
الثاني: ما ورد عن السلف من التشديد في أمر المعازف وتحريمها؛ كالأمر بتكسيرها وإحراقها، والتحذير من أصحابها، ونعتهم بأشنع الألقاب كلفظ شيطان ومخنث؛ فإن ذلك يدل على أن تحريمها أمر مجمع عليه عندهم وليس من الأمور المشتبهة التي يسوِّغون فيها الخلاف ويوسعونه.
كما لا يَطعن في صحة الإجماع المنقول وجود المعارض من أصحاب القول الثاني؛ لأن المعارض المنقول عنه إباحة المعازف، لا تخرج حاله عن ثلاثة أحوال لا يقوى في أي واحدة منها على معارضة الإجماع وهذه الأحوال هي:
1) نسبة إباحة المعازف إلى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح عنهم، ولم يرد بسند صحيح، والمحفوظ عن الصحابة ومن بعدهم من التابعين وتابعيهم إنكارها والتشديد فيها، والمنقول عن بعضهم في ذلك لم يرو بسند صحيح.
2) أن يكون النقل غير صحيح النسبة إلى المنقول عنه، كالمنقول عن الإمام مالكأنه كان يبيح العزف على العود بل يُتقِنه، فإن هذا النقل لم يثبت عنه، وإنما الثابت إنكاره، وقوله في الغناء: إنما يفعله الفساق.
3) أن يكون النقل صحيحاً ولكنه لمتأخر من بعد عصر القرون المفضلة المنعقد فيها الإجماع على تحريم المعازف؛ مثل المنقول عن بعض فقهاء الظاهرية، وبعض فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة، وانعقاد الإجماع في عصر من العصور لا يسقطه خلاف المتأخرين عنه" (129).
ـ[فهد الأحمد]ــــــــ[05 - 07 - 10, 01:54 ص]ـ
المطلب الرابع
الحكمة في تحريم المعازف
لقد التمس العلماء العديد من الحِكَم والعلل التي من أجلها حرمت المعازف وآلات الطرب؛ فمنها ما سبق ذكره في أدلة القول الأول من المعقول، وينضاف إلى ذلك أمور منها:
¥