تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال حمزة الاسلمي: يا رسول الله، أجد مني قوة على الصوم في السفر، فهل عليَّ جناح؟ فقال: " هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " رواه مسلم، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سافرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم " فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: " إنكم مصبِّحو عدوكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا"، فكانت عَزْمَة، فأفطرنا، ثم رأيتنا نصوم بعد ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر" رواه أحمد ومسلم وأبو داود.

وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فمنا الصائم، ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر (أي: لا يعيب عليه) ولا المفطر على الصائم، ثم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفاً فأفطر، فإن ذلك حسن. رواه أحمد ومسلم.

وقد اختلف الفقهاء في أيهما أفضل؟.

فرأى أبو حنيفة، والشافعي، ومالك: أن الصيام أفضل، لمن قوي عليه، والفطر أفضل لمن لا يقوى على الصيام.

وقال أحمد: الفطر أفضل.

وقال عمر بن عبد العزيز: أفضلهما أيسرهما، فمن يسهل عليه حينئذ، ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك، فالصوم في حقه أفضل.

وحقق الشوكاني، فرأى أن من كان يشق عليه الصوم ويضره، وكذلك من كان معرضاً عن قبول الرخصة، فالفطر أفضل وكذلك من خاف على نفسه العجب أو الرياء - إذا صام في السفر - فالفطر في حقه أفضل.

وما كان من الصيام خالياً عن هذه الأمور، فهو أفضل من الإفطار.

وإذا نوى المسافر الصيام بالليل، وشرع فيه، جاز له الفطر أثناء النهار.

فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم (" الغميم " اسم واد أمام عسفان)، وصام الناس معه، فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر، فشرب، والناس ينظرون إليه، فأفطر بعضهم وصام بعضهم، فبلغه: أن ناساً صاموا، فقال: " أولئك العصاة " (لانه عزم عليهم، فأبوا، وخالفوا الرخصة.) رواه مسلم والنسائي والترمذي وصححه.

وإذا ما نوى الصوم - وهو مقيم - ثم سافر في أثناء النهار فقد ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز الفطر له، وأجازه أحمد وإسحاق، لما رواه الترمذي - وحسنه - عن محمد بن كعب قال: أتيت في رمضان أنس بن مالك، وهو يريد سفراً، وقد رحلت له راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل فقلت له: سنة؟ فقال: سنة، ثم ركب (في سنده عبيد بن جعفر وهو ضعيف.).

وعن عبيد بن جبير قال: ركبت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط (" الفسطاط ": مصر القديمة.) في رمضان، فدفع، ثم قرب غداءه ثم قال: اقترب، فقلت ألست بين البيوت فقال أبو بصرة: أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. (رواه أحمد، وأبو داود، ورجاله ثقات) والاستفهام هنا استفهام إنكاري.

قال الشوكاني: والحديثان يدلان على أن للمسافر أن يفطر قبل خروجه، من الموضع الذي أراد السفر منه.

وقال: قال ابن العربي: وأما حديث أنس فصحيح، يقتضي جواز الفطر، مع أهبة السفر.

وقال: وهذا هو الحق.

والسفر المبيح للفطر، هو السفر الذي تقصر الصلاة بسببه، ومدة الاقامة التي يجوز للمسافر أن يفطر فيها، هي المدة التي يجوز له أن يقصر الصلاة فيها.

وتقدم جميع ذلك في مبحث قصر الصلاة ومذاهب العلماء وتحقيق ابن القيم.

وقد روى أحمد، وأبو داود، والبيهقي، والطحاوي عن منصور الكلبي: أن دحية بن خليفة خرج من قرية، من دمشق مرة، إلى قدر عقبة من الفسطاط، في رمضان، ثم إنه أفطر، وأفطر معه ناس. (أي أن المسافة التي قطعها من القرية التي خرج منها تعدل المسافة التي بين مصر القديمة وميت عقبة المجاورة لا مبالغة، وقدرت هذه المسافة بفرسخ.)

وكره آخرون أن يفطروا، فلما رجع إلى قريته، قال: والله لقد رأيت اليوم أمراً ما كنت أظن أني أراه، إن قوماً رغبوا عن هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، يقول ذلك للذين صاموا، ثم قال عند ذلك: اللهم اقبضني إليك. وجميع رواة الحديث ثقات، إلا منصور الكلبي، وقد وثقه العجلي.

من يجب عليه الفطر والقضاء معاً:

اتفق الفقهاء على أنه يجب الفطر على الحائض، النفساء ويحرم عليهما الصيام، وإذا صامتا لا يصح صومهما، ويقع باطلاً، وعليهما قضاء ما فاتهما.

روى البخاري ومسلم عن عائشة، قالت: كنا نحيض على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة. والله اعلم والحمد لله رب العالمين

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ...

المصدر: كتاب فقه السنة للشيخ العلامة الفاضل: السيد سابق - رحمه الله -

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير