قال الشيخ محمد عبده: فالمراد بمن " يطيقونه " في الآية، الشيوخ الضعفاء والزمني (أي: المرضى مرضاً مزمناً لا يبرأ.) ونحوهم كالفعلة الذين جعل الله معاشهم الدائم بالأشغال الشاقة كاستخراج الفحم الحجري من مناجمه، ومنهم المجرمون الذين يحكم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة إذا شق الصيام عليهم بالفعل، وكانوا يملكون الفدية.
والحبلى، والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو أولادهما أفطرتا - وعليهما الفدية، ولا قضاء عليهما عند ابن عمر، وابن عباس، ويكون ذلك بالتجربة أو بإخبار الطبيب الثقة أو بغلبة الظن.
روى أبو داود عن عكرمة، أن ابن عباس قال، في قوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)، كانت رخصة للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام، أن يُفطِرا، ويُطعِما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى، والمرضع - إذا خافتا (يعني على أولادهما) - أفطرتا، وأطعمتا. رواه البزار وزاد في آخره: وكان ابن عباس يقول لأم ولدٍ له حبلى: أنت بمنزلة
الذي لا يطيقه، فعليك الفداء، ولا قضاء عليك. وصحح الدارقطني إسناده.
وعن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال: تفطر، وتطعم مكان كل يوم مسكينا مُداً من حنطة (" المُد " ربع قدح من قمح).رواه مالك، والبيهقي.
وفي الحديث: " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم ".
وعند الاحناف وأبي عبيد وأبي ثور: أنهما يقضيان فقط، ولا إطعام عليهما.
وعند أحمد، والشافعي: أنهما - إن خافتا على الولد فقط وأفطرتا - فعليهما القضاء والفدية، وإن خافتا على أنفسهما فقط، أو على أنفسهما وعلى ولدهما، فعليهما القضاء، لا غير.
من يرخص لهم في الفطر، ويجب عليهم القضاء:
يباح الفطر للمريض الذي يرجى برؤه، والمسافر، ويجب عليهما القضاء.
قال الله تعالى: " وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر" (البقرة: 185)
وروى أحمد، وأبو داود، والبيهقي، بسند صحيح، من حديث معاذ، قال: " إن الله تعالى فرض على النبي - صلى الله عليه وسلم – الصيام، فأنزل: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " إلى قوله: " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ " (البقرة: 183، 184) فكان من شاء صام، ومن شام أطعم مسكينا، فأجزأ ذلك عنه.
ثم إن الله تعالى أنزل الآية الأخرى: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ " إلى قوله " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" (البقرة: 185) فأثبت صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر، وأثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ".
والمرض المبيح للفطر، هو المرض الشديد الذي يزيد بالصوم، أو يخشى تأخر بُرْئه (يعرف ذلك، إما بالتجربة أو بإخبار الطبيب الثقة أو بغلبة الظن.).
قال في المغني: " وحكي عن بعض السلف: أنه أباح الفطر بكل مرض، حتى من وجع الإصبع والضرس، لعموم الآية فيه، ولأن المسافر يُبَاح له الفطر، وإن لم يحتج إليه، فكذلك المريض " وهذا مذهب البخاري، وعطاء، وأهل الظاهر.
والصحيح الذي يخاف المرض بالصيام، يفطر، مثل المريض وكذلك من غلبه الجوع أو العطش، فخاف الهلاك، لزمه الفطر وإن كان صحيحًا مقيمًا وعليه القضاء.
قال الله تعالى: " وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً " (النساء:29) وقال تعالى: " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " (الحج:78)
وإذا صام المريض وتحمل المشقة صح صومه، إلا أنه يكره له ذلك لإعراضه عن الرخصة التي يحبها الله، وقد يلحقه بذلك ضرر.
وقد كان بعض الصحابة يصوم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وبعضهم يفطر، متابعين في ذلك فتوى الرسول - صلى الله عليه وسلم-.
¥