وهو كذلك في حاشية قليوبي وعميرة (4/ 29)، وحاشية الجمل (4/ 425)، حاشية البجيرمي على الخطيب (4/ 181).
تعريف الحنابلة:
قال في كشاف القناع (6/ 105): الرمي بزنا أو لواط، أو شهادةٍ به عليه ولم تكمل البينة.
وهو كذلك في مطالب أولي النهى (6/ 194).
المبحث الثاني: في ذكر قواعد مهمة تتعلق بالقذف وألفاظه، وهي على النحو التالي:
القاعدة الأولى: بيان انقسام ألفاظ القذف إلى صريح وكناية، والمراد بكل واحدٍ منهما، والفائدة من هذا التقسيم.
قسم جمهور أهل العلم ألفاظ القذف إلى قسمين:
القسم الأول: الألفاظ الصريحة، ويقصد بها: الألفاظ التي تدل على الرمي بفعل عمل قوم لوط ولا تحتمل غيره.
القسم الثاني: ألفاظ الكناية، ويقصد بها: الألفاظ التي تحتمل الرمي بفعل عمل قوم لوط وغيره.
وذهب بعض العلماء إلى أنَّ ألفاظ القذف تنقسم إلى ثلاثة أقسام: صريح، وكناية، وتعريض.
والفائدة من هذا التقسيمات: أنَّ الألفاظ الصريحة لا يقبل من قائلها تفسيرها بغير ذلك، حيث إن اللفظ لا يحتمل إلا القذف، أما ألفاظ الكناية فيقبل تفسيرها بغير القذف حيث إن اللفظ يحتمله.
القاعدة الثانية: بيان أنَّ ألفاظ القذف عائدة للعرف المتغيِّر بحسب الزمان والمكان.
نصَّ الفقهاء – رحمهم الله – على أنَّ ألفاظ القذف الصريحة والكناية، إنما هي بحسب العرف السائد في ذلك الزمان والمكان؛ وبناءً عليه لا تؤخذ هذه الألفاظ التي ذكرها الفقهاء في كل قسم دون النظر في عرف هذا الزمان وهذا المكان المُعَيَّن، وهذه القاعدة قررها العلماء ونصُّوا عليها؛ ومن ذلك ما يلي:
قال القرافي في الفروق (1/ 322): لأن الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها كيفما دارت، وتبطل معها إذا بطلت ... وبهذا القانون تُعْتَبَرُ جميع الأحكام المرتبة على العوائد، وهو تحقيقٌ مجمعٌ عليه بين العلماء لا خلاف فيه؛ بل قد يقع الخلاف في تحقيقه هل وُجِدَ أم لا؟ ... وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى على طول الأيام، فمهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجلٌ من غير أهل إقليمك يستفتيك فلا تُجْرِهِ على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده وأَجْرِهِ عليه وأفتهِ به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك؛ فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين وجهلٌ بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 66) معلقًا على كلام القرافي: وهذا محضُ الفقه، ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم = فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبَّبَ الناس كلَّهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم؛ بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضرُّ ما على أديان الناس وأبدانهم، والله المستعان.
وقد أفرد ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 11) فصلًا طويلًا في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، ثم قال فيه: هذا فصلٌ عظيم النفع جدًا.
وقال علي حيدر في شرحه لمجلة الأحكام العدلية (1/ 43): إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة؛ لأنه بتغير الأزمان تتغير حاجات الناس؛ وبناءً على هذا التغير يتبدل – أيضًا – العرف والعادة، وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام حسبما أوضحنا آنفًا؛ بخلاف الأحكام المستندة على الأدلة الشرعية التي لم تُبْنَ على العرف والعادة؛ فإنها لا تتغير. اهـ.
ومن القواعد المشهورة عند أهل العلم: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان، والعادةُ محكَّمَة.
ويدل على كون ألفاظ القذف مما يدخل في الأحكام التي تتغير بتغير الزمان والمكان: اختلاف العلماء في بعض ألفاظ القذف هل هي من قبيل الألفاظ الصريحة أم الكناية؟ وهو عائد في كثيرٍ منه – والله أعلم – إلى اختلاف العرف والعادة.
وهذه القاعدة يجب استحضارها عند الحديث على ألفاظ القذف، لبيان ما هو صريحٌ منها وما هو كناية.
¥