تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

448) و الطحاوي (1/ 242) بإسناد رجاله ثقات، و لولا أن فيه عنعنة أبي

إسحاق السبيعي و اختلاطه لصححت إسناده، فسكوت الشيخ عبد الله الغماري عنه في

رسالته " الرأي القويم " (ص 30) ليس بجيد، لاسيما و قد جزم بنسبته إلى سلمان

في رسالته الأخرى " الصبح السافر " (ص 42)!! هذا و لقد شذ في هذه المسألة

ابن حزم كعادته في كثير غيرها، فقد ذهب إلى وجوب قصر المسافر وراء المقيم، و

احتج بالأدلة العامة القاضية بأن صلاة المسافر ركعتان، كما جاء في أحاديث

كثيرة صحيحة. و ليس بخاف على أهل العلم أن ذلك لا يفيد فيما نحن فيه، لأن

حديث الترجمة يخصص تلك الأحاديث العامة، بمختلف رواياته، بعضها بدلالة

المفهوم، و بعضها بدلالة المنطوق. و لا يجوز ضرب الدليل الخاص بالعام، أو

تقديم العام على الخاص، سواء كانا في الكتاب أو في السنة، خلافا لبعض

المتمذهبة. و ليس ذلك من مذهب ابن حزم رحمه الله، فالذي يغلب على الظن أنه لم

يستحضر هذا الحديث حين تكلم على هذه المسألة، أو على الأقل لم يطلع على

الروايات الدالة على خلافه بدلالة المنطوق، و إلا لم يخالفها إن شاء الله

تعالى، و أما رواية مسلم فمن الممكن أن يكون قد اطلع عليها و لكنه لم يرها حجة

لدلالتها بطريق المفهوم، و ليس هو حجة عنده خلافا للجمهور، و مذهبهم هو

الصواب كما هو مبين في علم الأصول، فإن كان قد اطلع عليها فكان عليه أن يذكرها

مع جوابه عنها، ليكون القاريء على بينة من الأمر. و إن من غرائبه أنه استشهد

لما ذهب إليه بما نقله عن عبد الرزاق - و هو في " مصنفه " (2/ 519) - من

طريق داود بن أبي عاصم قال: " سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر؟ فقال:

ركعتان. قلت: كيف ترى و نحن ههنا بمنى؟ قال: ويحك سمعت رسول الله صلى الله

عليه وسلم و آمنت به؟ قلت: نعم. قال: فإنه كان يصلي ركعتين. فصل ركعتين إن

شئت أو دع ". قلت: و سنده صحيح، و قال عقبه: " و هذا بيان جلي بأمر ابن عمر

المسافر أن يصلي خلف المقيم ركعتين فقط ". قلت: و هذا فهم عجيب، و اضطراب في

الفهم غريب، من مثل هذا الإمام اللبيب، فإنك ترى معي أنه ليس في هذه الرواية

ذكر للإمام مطلقا، سواء كان مسافرا أم مقيما. و غاية ما فيه أن ابن أبي عاصم

بعد أن سمع من ابن عمر أن الصلاة في السفر ركعتان، أراد أن يستوضح منه عن

الصلاة و هم - يعني الحجاج - في منى: هل يقصرون أيضا؟ فأجابه بالإيجاب، و أن

النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيها ركعتين. هذا كل ما يمكن فهمه من هذه

الرواية، و هو الذي فهمه من خرجها، فأوردها عبد الرزاق في " باب الصلاة في

السفر " في جملة أحاديث و آثار في القصر، و كذلك أورده ابن أبي شيبة في باب "

من كان يقصر الصلاة " من " مصنفه " (2/ 451). و داود بن أبي عاصم هذا طائفي

مكي، فمن المحتمل أنه عرضت له شبهة من جهة كونه مكيا، و المسافة بينها و بين

منى قصيرة، فأجابه ابن عمر بما تقدم، و كأنه يعني أن النبي صلى الله عليه

وسلم قصر في منى هو و من كان معه من المكيين الحجاج. و الله أعلم. و إن مما

يؤكد خطأ ابن حزم في ذلك الفهم ما سبق ذكره بالسند الصحيح عن ابن عمر أنه كان

إذا صلى في مكة و منى لنفسه قصر، و إذا صلى وراء الإمام صلى أربعا. فلو كان

سؤال داود عن صلاة المسافر وراء المقيم، لأفتاه بهذا الذي ارتضاه لنفسه من

الإتمام في هذه الحالة، ضرورة أنه لا يعقل أن تخالف فتواه قوله، و يؤيد هذا

أنه قد صح عنه أنه أفتى بذلك غيره، فروى عبد الرزاق (2/ 542 / 4381) بسند

صحيح عن أبي مجلز قال: قلت لابن عمر: أدركت ركعة من صلاة المقيمين و أنا

مسافر؟ قال: صل بصلاتهم. أورده في " باب المسافر يدخل في صلاة المقيمين ".

و ذكر فيه آثارا أخرى عن بعض التابعين بمعناه، إلا أن بعضهم فصل، فقال في

المسافر يدرك ركعة من صلاة المقيمين في الظهر: يزيد إليها ثلاثا، و إن أدركهم

جلوسا صلى ركعتين. و لم يرو عن أحد منهم الاقتصار على ركعتين على كل حال كما

هو قول ابن حزم! و أما ما ذكره من طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحمن

بن تميم بن حذلم قال: " كان أبي إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة و هو مسافر صلى

إليها أخرى، و إذا أدرك ركعتين اجتزأهما "، و قال ابن حزم: " تميم بن حذلم

من كبار أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه ". قلت: نعم، و لكنه مع شذوذه عن كل

الروايات التي أشرت إليها في الباب و ذكرنا بعضها، فإن ابنه عبد الرحمن ليس

مشهورا بالرواية، فقد أورده البخاري في " التاريخ " (3/ 1 / 265) و ابن أبي

حاتم (2/ 2 / 218) و لم يذكرا فيه جرحا و لا تعديلا، و ذكر ابن أبي حاتم

أنه روى عنه أبو إسحاق الهمداني أيضا، و ذكره ابن حبان في " الثقات " (7/ 68

) برواية المغيرة. و هذا قال فيه الحافظ في " التقريب ": " كان يدلس ". و

ذكر أيضا من طريق مطر بن فيل عن الشعبي قال: " إذا كان مسافرا فأدرك من صلاة

المقيم ركعتين اعتد بهما ". و مطر هذا لا يعرف. و عن شعبة قال: سمعت طاووسا

و سألته عن مسافر أدرك من صلاة المقيم ركعتين؟ قال: " تجزيانه ". قلت: و

هذا صحيح إن سلم إسناده إلى شعبة من علة، فإن ابن حزم لم يسقه لننظر فيه. و

جملة القول أنه إن صح هذا و أمثاله عن طاووس و غيره، فالأخذ بالآثار المخالفة

لهم أولى لمطابقتها لحديث الترجمة و أثر ابن عمر و غيره. و الله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير