وقد وردت مادة (جدل) في تسعة وعشرين موضعا في القرآن وهي في غالب استعمالها في القرآن تكون في مساق الذم إلا في أربعة مواضع وهي:
- قوله تعالى: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط إن إبراهيم لحليم أواه منيب}
- وقوله تعالى: {وجادلهم بالتي هي أحسن}
- وقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}
- وقوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير}
وسيأتي بيان حكم الجدل ضمن الكلام على مشروعية المناظرة إن شاء الله.
2 – المحاورة أو الحوار:
أصل الحَوْرُ الرجوع عن الشيء وإلى الشيء حارَ إلى الشيء وعنه حَوْراً ومَحاراً ومَحارَةً وحُؤُوراً رجع عنه وإليه ومنه استعاذة النبي في الحديث من " الحور بعد الكون " رواه مسلم ويروى " الحور بعد الكور "
تقول: كلَّمته فما رجع إليَّ حَوَاراً وحِواراً ومُحاورةً وحَوِيراً ومَحُورَة بضم الحاء بوزن مَشُورَة أَي جواباً وأَحارَ عليه جوابه ردَّه والاسم من المُحاوَرَةِ الحَوِيرُ تقول سمعت حَوِيرَهما وحِوَارَهما والمُحاوَرَة المجاوبة والتَّحاور التجاوب.
فالمحاورة إذا هي المراددة في الكلام. التعاريف للمناوي (ص 299)
ينظر: لسان العرب (4/ 217) مادة حور تاج العروس (1/ 2733) مادة حور كتاب العين (3/ 287) وذكر بعض أهل اللغة ان الحور لغة الحبشة. ينظر قصد السبيل فيما في اللغة العربية من الدخيل للمحبي (1/ 443) المهذب للسيوطي (ص 162)
والمحاورة اصطلاحا لا تخرج عن معناها اللغوي. وبنحو هذا عرفها بعض المعاصرين فقال هو: (مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين متكافئين فلا يستأثر أحدهما دون الآخر ويغلب عليه الهدوء)
والجدال والمحاورة يجتمعان في كونهما كلاماً بين اثنين، وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
ويختلفان في كون الأغلب في الجدال الخصومة والشدة واللدد بخلاف المحاورة فهي تميل إلى الهدوء.
والمؤلفات في المحاورة وآدابها كثيرة في هذا العصر.
3 – المناقشة:
أَصل المُناقَشة من نقَش الشوكة إِذا استخرجها من جسمه وقد نَقَشَها وانْتَقَشها
قال أبو عبيد المُناقَشةُ الاستقصاء في الحساب حتى لا يُتْرَك منه شيء. ومنه الحديث في البخاري: " من نوقش الحساب عذب " أي من استقصى في محاسبته وحوقق.
ينظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (5/ 222) لسان العرب (6/ 358) مادة نقش تاج العروس (1/ 4374) مادة نقش.
والمناقشة بين اثنين هو أن ينقش كل منهما ما عند الآخر أي يستخرجه.
4 – المحاجة:
المحاجة مأخوذة من الحج وأصل الحَجُّ: " الغلبة بالحُجَّة " يقال: حجَّه يحجُّه حجّاً إذا غلبه على حجَّته. وفي الحديث: " فحجَّ آدمُ موسى " أَي أغلبه بالحجَّة والحَجُّ: كثرة الاختلاف والتردُّد، وقد حجَّ بنو فلان فلاناً إذا أَطالوا الاختلاف إليه وتقولُ: حججتُ فلاناً إذا أَتَيْتَه مرّةً بعد مرّة فقيل: حُجَّ البيت؛ لأَنّهم يأْتونه كلَّ سنة. وفي حديث الدجال في مسلم " إن يخرج وأنَا فيكم فأنا حجيجه " أي محاججه ومغالبه بإظهار الحُجَّة.
تاج العروس (1/ 1350) مادة حجج النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (1/ 895)
-وعرف الراغب في مفرداته المحاجة فقال (ص 296): (أن يطلب كل واحد أن يرد الآخر عن حجته ومحجته)
- وعرفها المناوي فقال: (المحاجة تثبيت القصد والرأي لما يصححه) التعاريف (ص 640)
5 - البحث والمباحثة:
أصل البحث التفتيش والكشف والطلب يقال: بحثت عن الأمر وبحثت كذا قال الله تعالى: {فبعث الله غرابا يبحث في الأرض}
وقيل: بحثت الناقة الأرض برجلها في السير: إذا شددت الوطء تشبيها بذلك
والبَحْثُ أَن تَسْأَل عن شيء وتَسْتَخْبر وبَحَثَ عن الخَبر وبَحَثَه يَبْحَثُه بَحْثاً سأَل وكذلك اسْتَبْحَثَه واسْتَبْحَثَ عنه
وذكر صاحب تاج العروس: أن كثيراً ما يستعمله المُصَنِّفُون مُتعَدّياً بفي فيقولون: بَحَثَ فيهِ والمشهورُ التَّعْدِيةُ بَعَنْ.
¥