بينما المناظرة لبيان الباطل لا تسلتزم ظهور الحق إلا فيما لا يوجد فيه إلا قول واحد باطل؛ لأن بيان بطلان قول الخصم لا يلزم منه نرجيح ما يراه المناظر حقاً لاحتمال ورود أقوال أخرى غير ما أبطله ولذلك كانت مناظرات الطوائف من المتكلمين وغيرهم التي كل منها يخالف السنة ولو بقليل أعظم ما يستفاد منها بيان إبطال بعضهم لمقالة بعض.
قال ابن تيمية رحمه الله: (ولهذا كان كثير من مناظرة أهل الكلام إنما هي في بيان فساد مذهب المخالفين وبيان تناقضهم؛ لأنه يكون كل من القولين باطلا فما يمكن أحدهم نصر قوله مطلقا فيبين فساد قول خصمه وهذا يحتاج إليه إذا كان صاحب المذهب حسن الظن بمذهبه قد بناه على مقدمات يعتقدها صحيحة فإذا أخذ الإنسان معه في تقرير نقيض تلك المقدمات لم يقبل ولا يبين الحق ويطول الخصام كما طال بين أهل الكلام
فالوجه في ذلك أن يبين لذلك رجحان مذهب غيره عليه أو فساد مذهبه بتلك المقدمات وغيرها فإذا رأى تناقض قوله أو رجحان قول غيره على قوله اشتاق حينئذ إلى معرفة الصواب وبيان جهة الخطأ فيبين له فساد تلك المقدمات التي بنى عليها وصحة نقيضها ومن أي وجه وقع الغلط .. ) منهاج السنة النبوية (2/ 343)
وأما الأغراض الباطلة فهي:
1 – دحض الحق وكسره ومحاولة بيان الخطأ فيه للناس.
2 – إظهار الباطل ونشره وبيان أنه الحق والصواب.
3 – كسر المناظر والخصم ومحاولة إنتقاصه والتقليل من شأنه.
4 – طلب غرض من أغراض الدنيا كالشهرة والعلو والمال والمنصب ونحو ذلك.
ما فائدة معرفة الغرض من المناظرة؟
تحديد الغرض من المناظرة له أثر كبير في نتائجها فالذي يكون غرضه صحيحاً يدرك الحق لا محالة إما على لسانه أو على لسان مناظره فهو لا يهمه على لسان من تظهر فيكون قصده لطلب الحق سببا للوصول إليه وقد بين الله تعالى أن من حسن قصده وجاهد للوصول إلى الحق أن الله يوفقه كما في قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وقوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم} وقوله تعالى: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} وقوله تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} وقوله تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا (66) وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما (67) ولهديناهم صراطا مستقيما}.
وبعكسه من أعرض عن طلب الحق يعاقب بزيادة الضلال كما قال تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}.
كما أن المناظر إذا حسن قصده وغرضه أثيب على هذا القصد، وأعانه الله وسدده وقويت حجته.
أما الفوائد التي يمكن أن يحصل عليها المناظر من المناظرة فمنها:
1 – القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي يعظم ويقل بحسب موضوع المناظرة وآثارها ونتائجها.
2 – تحصيل ملكة الجدل والمناظرة والبحث والاستنباط والفهم والتعليل وتقوية الذهن وفتح نوافذ العقل في فهم المسائل.
3 – الوصول إلى الحق في المسائل العلمية والعملية.
4 – إبطال الباطل وبيان الخطأ من الأقوال والمرجوح منها.
5 - رفع الإشكال واللبس والاشتباه الواقع في الأدلة عند المناظر أو الشبه التي يستدل بها المخالف.
6– تبادل الفوائد ودقائق المسائل بين المتناظرين.
7 - تقليل الخلافات بين المسلمين في المسائل العلمية والعملية.
8 – مذاكرة المسائل العلمية وتثبيتها وتثبيت الإيمان بها واعتقادها.
ـ[مصطفي سعد]ــــــــ[01 - 06 - 07, 02:40 ص]ـ
شكرا لابى حازم!!!!!!!!!!!!!! الكاتب
ـ[أبو أنس الأنصاري]ــــــــ[03 - 06 - 07, 12:54 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[04 - 06 - 07, 01:15 ص]ـ
المبحث الرابع: مشروعية المناظرة:
وردت نصوص في الكتاب والسنة وآثار عن السلف تدل على مشروعية المناظرة والجدال كما وردت نصوص أخرى وآثار عن السلف تذم المناظرة والجدال وعند التحقيق نجد أن المناظرة والجدل نوعان:
النوع الأول: المناظرة المحمودة والجدل المحمود وهي تشمل:
1 - المناظرة في المسائل العملية في الأحكام في الطهارة والصلاة والزكاة ونحوها إذا كانت لطلب الحق ولمن هو أهل لذلك.
قال ابن عبد البر: (وأما الفقه فاجمعوا على الجدال فيه والتناظر لأنه علم يحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك)
¥