ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[04 - 06 - 07, 01:44 ص]ـ
وإذا علم ما ورد عن السلف في هذا الباب فلا بد من معرفة ما يندرج في المناظرة والجدل المذموم.
أنواع الجدال المذموم:
ينبغي أن يعلم أن الذم في المناظرة تارة يعود إلى موضوع المناظرة وتارة يعود إلى حال المتناظرين وتارة يعود إلى وقت المناظرة وتارة يعود إلى نتيجة المناظرة وهذا بيان أنواع المناظرة المذمومة:
النوع الأول: الجدال في الله وآياته وصفاته:
- قوله تعالى: {وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال}
- وقوله تعالى: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد}
والمراد بهذا الخوض في كيفيتها أو تأويلها أو تحريفها أو تشبيه الله بخلقه أو الاعتماد في إثبات الصفات ونفيها على العقل.
قال البغوي في شرح السنة (1/ 216): (واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه)
قال مالك رحمه الله: " أدركت أهل هذا البلد _ يعني المدينة _ وهم يكرهون المناظرة والجدل إلا فيما تحته عمل " رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (19/ 232)
قال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 232): (يريد مالك _ رحمه الله _ الأحكام في الصلاة والزكاة والطهارة والصيام والبيوع ونحو ذلك ولا يجوز عنده الجدال فيما تعتقده الأفئدة مما لا عمل تحته أكثر من الاعتقاد وفي مثل هذا خاصة نهي السلف عن الجدال وتناظروا في الفقه وتقايسوا فيه)
قال ابن قدامة رحمه الله: (والذي قاله مالك رحمه الله تعالى عليه جماعة العلماء والفقهاء قديما وحديثا من أهل الحديث والفتوى وإنما خالف ذلك أهل البدع فأما الجماعة فعلى ما قال مالك.
فإذا أردتم الكلام والتوسع في العلم فابحثوا في الفقه ومسائله وأحكامه والفرائض ومسائلها والمناسخات وقسم التركات ومسائل الإقرار والولاء ... فلكم في هذا سعة عما قد نهيتم عن الخوض فيه مما لم يتكلم فيه سلفكم، وكرهه إمامكم، ولا يفضي بكم إلى خير ولا تخلون فيه من إحداث بدعة إمامكم فيها إبليس يمقتكم الله بها .. ) تحريم النظر في كتب الكلام (ص 71)
وهذا الذي أشار إليه مالك _ رحمه الله _ هو علم الكلام وهو الجدل والمناظرة في إثبات العقائد بالطرق الكلامية وقد أطبق السلف على ذمه، حتى من خاض فيه من المتكلمين انقلب أمرهم عليه ذماً وتحذيراً منه كالجويني والغزالي والرازي والشهرستاني وابن عقيل وغيرهم.
وقد ورد النهي عن الجدال في كتاب الله والخوض فيه فمن ذلك:
عن أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " المراء في القرآن كفر " وفي رواية " الجدال في القرآن كفر " أخرجه أحمد (2/ 258، 286) وأبو داود (2/ 610) برقم (4603) وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 142) وابن حبان (4/ 324) والحاكم في المستدرك (2/ 243) والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 416) وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي
قال ابن حبان في صحيحه في تفسير الحديث (4/ 324): (إذا مارى المرء في القرآن أداه ذلك - إن لم يعصمه الله - إلى يرتاب في الآي المتشابه منه وإذا ارتاب في بعضه أداه ذلك إلى الجحد فأطلق صلى الله عليه وسلم اسم الكفر الذي هو الجحد على بداية سببه الذي هو المراء)
ويقول الطحاوي في عقيدته (ص 314 مع الشرح): (ولا نجادل في القرآن ونشهد أنه كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين فعلمه سيد المرسلين محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين ولا نقول بخلقه ولا نخالف جماعة المسلمين).
وبوب أبو داود في سننه (2/ 610): (باب النهي عن الجدال في القرآن) والنسائي في السنن الكبرى (5/ 33): (المراء في القرآن) والآجري في الشريعة (ص 75): (باب ذكر النهي عن المراء في القرآن)
قال ابن تيمية رحمه الله: (كل من عارض القرآن وجادل في ذلك بعقله ورأيه فهو داخل في ذلك وإن لم يزعم تقديم كلامه على كلام الله ورسوله بل إذا قال ما يوجب المرية والشك في كلام الله فقد دخل في ذلك فكيف بمن يزعم أن ما يقوله بعقله ورأيه مقدم على نصوص الكتاب والسنة) درء تعارض العقل والنقل (3/ 3)
¥