قال الخلال في السنة (1/ 228): (ولو شاء عمر بن الخطاب أن يناظر صبيغ ويجمع له أصحاب رسول الله حتى يناظروه ويحاجوه ويبينوا عليه لفعل ولكنه قمع جهله وأوجع ضربه ونفاه في جلده وتركه يتغصص بريقه وينقطع قلبه حسرة بين ظهراني مطرودا منفيا مشردا لا يكلم ولا يجالس ولا يشفا بالحجة والنظر بل تركه يختنق على حرته ولم يبلعه ريقه ومنع الناس من كلامه ومجالسته)
والقصة مشهورة في كتب السنة وقد أثبتها يزيد بن هارون والشافعي وأحمد وابن معين والدارمي وغيرهم وقد ذكر أصل القصة مالك في الموطأ بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما.
النوع الرابع: الجدال بدون علم صحيح:
قال تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد (3) كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير}
وقال تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير (8) ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق (9) ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد}
وقال تعالى: {الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبرٍ جبار}
وقال تعالى: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير}
وقال تعالى: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم}
النوع الخامس: الجدال بقصد دحض الحق ونصرة الباطل:
قال تعالى: {ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً} أي ليبطلوا به الحق ويزيلوه ويذهبوا به يقال: دحض الشيء إذا زال وذهب، ثم سلكوا مسلك الاستهزاء بالحجج والبراهين وهو أشد أنواع التكذيب.
وقال تعالى: {وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب} أي ما حلوا بالشبهة ليردوا الحق الواضح الجلي.
النوع السادس: أن يكثر من الجدال حتى يكون صفةً له:
قال تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدُّ الخصام}.
وقال تعالى: {وقالوا أآلهتنا خيرٌ أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قومٌ خصمون}
ومنه أيضاً ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم "
النوع السابع: أن يجادل المرء عن الخائن حتى عن نفسه إذا كانت خائنة:
قال تعالى: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً}
قال ابن تيمية رحمه الله: (ودل قوله: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} أنه لا يجوز الجدال عن الخائن و لا يجوز للإنسان أن يجادل عن نفسه إذا كانت خائنة لها في السر أهواء و أفعال باطنة تخفى على الناس فلا يجوز المجادلة عنها قال تعالى: {يعلم خائنة الأعين و ما تخفى الصدور} و قال تعالى: {وذروا ظاهر الإثم و باطنه} وقال تعالى: {قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها و ما بطن} و قد قال تعالى: {بل الإنسان على نفسه بصيرة و لو ألقى معاذيره} فإنه يعتذر عن نفسه بأعذار و يجادل عنها و هو يبصرها بخلاف ذلك و قال تعالى: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} و قال تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد الله على ما في قلبه و هو ألد الخصام}
وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " فهو يجادل عن نفسه بالباطل و فيه لدد أي ميل و اعوجاج عن الحق و هذا على نوعين أحدهما أن تكون مجادلته و ذبه عن نفسه مع الناس و الثاني فيما بينه و بين ربه بحيث يقيم أعذار نفسه و يظنها محقة و قصدها حسنا و هي خائنة ظالمة لها أهواء خفية قد كتمتها حتى لا يعرف بها الرجل حتى يرى و ينظر قال شداد بن أوس: " إن أخوف ما أخاف عليكم الشهوة الخفية " قال أبو داود: هي حب الرياسة .. ) مجموع الفتاوى (14/ 444 – 445)
النوع الثامن: أن يجادل في الحق بعدما تبين له:
¥