تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم علق بالنقد على هذا بقوله: " وأما الفائد الثانية والثالثة؛ فلا تحصل لأن الكلام فيما إذا كان المسكوت أدنى في المعنى من المنطوق في المقتضى أو مماثلاً له؛ فالتخصيص إذاً يكون بعيداً، وأما إذا كان المسكوت أعلى في المعنى فهو التنبيه وقد سبق الكلام فيه " (21) أهـ

وقوله " لأن الكلام " يعني في قضية الشرط الأولي للنظر في صلاحية مفهوم المخالفة، قال " فيما إذا كان المسكوت أدنى في المعنى من المنطوق أو مماثلاً له " يعني أن المعنى في المنطوق أعلى. قال " فالتخصيص " يعني إخراج الوصف من أن يكون مراداً " إذاً يكون بعيداً ".

هنا ينبغي أن نلاحظ نكتة في تعبير ابن قدامة في قوله " إذا كان المسكوت أدنى في المعنى ". ضرورة ذلك أن يكون المنطوق " أعلى في المعنى " كما تقدم.

ولم يقل بالحكم أولى؛ لأن الأولوية في الحكم لا تمنع الاشتراك بين محل النطق ومحل السكوت، وإن كانت المعنى في محل النطق أعلى، ومن ثم يبطل مفهوم المخالفة جملة، لأن قضيته إثبات عكس الحكم لعكس الوصف.

فمن طريق البداهة أن أولوية الحكم بالمنطوق لا تنافي الاشتراك بينه وبين المسكوت في نفس الحكم.

ومن ثم فالتعبير بالأعلى، والأدنى في المعنى هو التعبير الصحيح الدقيق.

إذن فالشرط الأولي للنظر في صلاحية السوم ـ مثلاً ـ لنفي الحكم عن المعلوفة، أن يكون السوم أعلى في المعنى من المعلوفة؛ ومن ثم يسقط القول بأن للمنطوق ـ السوم ـ فائدة التأكيد على إرادة الوصف المذكور وعدم توهم المكلف لإسقاطه بالتخصيص.

(قال الشافعي): " ويروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ليس في الإبل , والبقر العوامل صدقة (قال الشافعي): ومثلها الغنم تعلف (قال الشافعي): ولا يبين لي أن في شيء من الماشية صدقة حتى تكون سائمة، والسائمة الراعية (قال): وذلك أن يجمع فيها أمران ألا يكون لها مؤنة العلف ويكون لها نماء الرعي، فأما إن علفت فالعلف مؤنة تحيط بكل فضل لها , أو تزيد , أو تقارب " (22) أهـ.

فقوله " والعلف مؤنة تحيط بكل فضل لها أو تزيد أو تقارب " يعني أنه بالنظر إلى سهولة الإرفاق بالمحاويج أقل منه في السائمة.

ثم انظر هنا إلى قول الشافعي ـ رحمه الله ـ في باب قتل الصيد خطأ:

(قال الشافعي) قال الله - تبارك وتعالى ((لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً)) (قال الشافعي) يجزي الصيد من قتله عمداً أو خطأ , فإن قال قائل: إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد عمداً وكيف أوجبته على قاتله خطأ؟ قيل له إن شاء الله: إن إيجاب الجزاء على قاتل الصيد عمداً لا يحظر أن يوجب على قاتله خطأ. فإن قال قائل فإذا أوجبت في العمد بالكتاب فمن أين أوجبت الجزاء في الخطأ ... ؟ " (23) أهـ.

يقول الشافعي: " إن إيجاب الجزاء على قاتل الصيد عمداً لا يحظر أن يوجب على قاتله خطأ "

مع أن العمد والخطأ ضدان في معنى النقيضان يعني إما العمد وإما الخطأ، وقد قال في السوم كما تقدم: " لأن كلما قيل في شيء بصفة , والشيء يجمع صفتين يؤخذ من صفة كذا ففيه دليل على ألا يؤخذ من غير تلك الصفة من صفتيه ".

فلماذا لم يؤخذ هنا بمفهوم العمد، بل اعتبر في الآية وحدها ما يبطل العمل بمفهوم الصفة من غير نظر إلى دليل آخر، وهذا معنى قوله لا تحظر الكفارة عن الخطأ؟

الجواب الأولي: لأن لذكر العمد فوائد في الآية غير نفي الحكم عما عداه، منها أن الآية نزلت في حادثة كان صاحبها متعمداً للقتل. فالعمد وإن كان أعلى من الخطأ في المعنى، إلا أن أولوية العمد عن الخطأ لم تمنع الاشتراك في الحكم، بمعنى أن الحكم سواء في الحالتين، وأنه غير منتفي عن حال الخطأ. فلا مفهوم مخالفة للنص.

فالحاصل: إن كون الوصف في محل النطق أعلى في المعنى شرط أولي للنظر لصلاحية النص لدليل الخطاب، ثم ينظر، هل من فائدة أخرى. فإن كان للوصف فائدة أخرى كالتفخيم مثلاً ـ كما سيأتي ـ

حكم باشتراك المنطوق والمسكوت عنه في الحكم، وإن كان المعنى في محل النطق أولى مراعاة للتفخيم، وبطل إثبات عكس الحكم لعكس الوصف، وهكذا يسقط مفهوم المخالفة من جهة التفصيل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير