تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حَقِيقَةٌ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ. ثُمَّ قَالُوا: رَأْسُ الدَّرْبِ لِأَوَّلِهِ وَرَأْسُ الْعَيْنِ لِمَنْبَعِهَا وَرَأْسُ الْقَوْمِ لِسَيِّدِهِمْ وَرَأْسُ الْأَمْرِ لِأَوَّلِهِ وَرَأْسُ الشَّهْرِ وَرَأْسُ الْحَوْلِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ. وَهُمْ لَا يَجِدُونَ قَطُّ أَنَّ لَفْظَ الرَّأْسِ اُسْتُعْمِلَ مُجَرَّدًا؛ بَلْ يَجِدُونَ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ بِالْقُيُودِ فِي رَأْسِ الْإِنْسَانِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ} وَنَحْوِهِ وَهَذَا الْقَيْدُ يَمْنَعُ أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ تِلْكَ الْمَعَانِي. فَإِذَا قِيلَ: رَأْسُ الْعَيْنِ وَرَأْسُ الدَّرْبِ وَرَأْسُ النَّاسِ وَرَأْسُ الْأَمْرِ؛ فَهَذَا الْمُقَيِّدُ غَيْرُ ذَاكَ الْمُقَيِّدِ الدَّالِّ، وَمَجْمُوعُ اللَّفْظِ الدَّالِّ هُنَا غَيْرُ مَجْمُوعِ اللَّفْظِ الدَّالِّ هُنَاكَ؛ لَكِنْ اشْتَرَكَا فِي بَعْضِ اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكِ كُلِّ الْأَسْمَاءِ الْمُعَرَّفَةِ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّاطِقَ بِاللُّغَةِ نَطَقَ بِلَفْظِ رَأْسِ الْإِنْسَانِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُتَصَوَّرُ رَأْسُهُ قَبْلَ غَيْرِهِ، وَالتَّعْبِيرُ أَوَّلًا هُوَ عَمَّا يُتَصَوَّرُ أَوَّلًا، فَالنُّطْقُ بِهَذَا الْمُضَافِ أَوَّلًا لَا يَمْنَعُ أَنْ يُنْطَقَ بِهِ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ ثَانِيًا، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ الْمَجَازِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمُضَافَاتِ ...

قال فتجنشتين:

"ومن الطبيعي أن يكون ما يؤدي إلى الخلط بالنسبة لنا،هو المظهر الموحد للكلمات،حينما نسمعها منطوقة أو نجدها مكتوبة أو مطبوعة. ذلك لأن تطبيقها أو استخدامها لا يكون ماثلا أمامنا بوضوح كاف. وخاصة إذا كنا نتفلسف.

-إن الأمر يشبه رؤيتنا لما هو موجود داخل غرفة قيادة إحدى القاطرات. فنحن نرى مقابض،كلها متشابهة بدرجة متفاوتة. (ومن الطبيعي أن تكون كذلك-طالما أنه من المفروض أن تكون جميعها مما نمسك به).إلا أن أحدها يكون خاصا بذراع الدولاب الذي يمكن تحريكه بصفة مستمرة (وهو لتنظيم فتحة صمام).ومقبض آخر خاص بمفتاح التحويلة،بحيث لا يعمل إلا في وضعين،إما لوصل التحويلة أو فصلها. ومقبض ثالث خاص بذراع إيقاف الحركة [أو الكابح]،الذي كلما ضغط عليه الانسان كان إيقاف القاطرة أشد قوة.ومقبض رابع خاص بمضخة: تعمل وفقا لحركة المقبض إلى الأمام أو الخلف."

أنظر: بحوث فلسفية لودفيج فتجنشتين. ترجمة وتعليق عزمي إسلام. ص 53.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[09 - 07 - 07, 06:31 م]ـ

أحسن الله إليك شيخنا الفاضل

فقد أحسنت التصور ثم أجدت العرض

كنت أتناقش مع بعض الإخوة منذ شهرين تقريبا عن مذهب ابن تيمية في المجاز، وقلت له إن سبب الخلاف هو اعتقاد كثير من المتأخرين أن الكلام المكتوب في المعجمات مأخوذ عن العرب بنصه، وهذا خطأ كبير جدا.

فاللغة عند العرب متكلم بها في سياقات، وكل سياق له معنى مفهوم، فيأتي عالم اللغة المستقري الذي صنف المعجم فيعبر عن معنى الكلمة بحسب ما فهمه هو من كلام العرب، فالعرب لم تقل مثلا: (العين عضو يستعمله الإنسان في الإبصار)، وإنما هذا ما فهمه اللغوي عندما أراد أن يعبر عن معاني الألفاظ عند العرب، فهو فهمها من السياق ثم عبر عنها بأسلوبه هو.

وهذا لا يمنع من أن بعض الألفاظ التي تستعمل في معانٍ ينصرف الذهن إلى معنى منها لشهرته وتداوله أكثر من غيره، ونلاحظ هنا أن هذا الكلام بعينه دليل واضح على صحة كلام ابن تيمية.

فكون الكلمة حقيقة في كذا ومجاز في كذا إنما يعرف عند أصحاب المجاز بما ينصرف الذهن إليه عند الإطلاق، وهذا الانصراف الذهني متعلق بالاستعمال أصلا، فإن الإنسان ينصرف ذهنه إلى معنى دون غيره لأنه الأكثر في استعماله، أو الغالب على ما يسمعه من الناس، فصار تفريقهم بين المجاز والحقيقة مبنيا على الاستعمال أصلا، والاستعمال لا توجد الكلمات فيه مجردة، فظهر تناقضهم.

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[09 - 07 - 07, 10:10 م]ـ

شيخي أبا مالك-رفع الله قدرك-

حجتك صحيحة، فاللغويون والنحاة والعروضيون كلهم انطلقوا من الكلام المستعمل ... ثم صنفوا واصطلحوا وقعدوا ... فاللغوي مثلا يستعرض مختلف موارد كلمة ما ... ثم ينص على معانيها بحسب مواقعها ... ولكن أنى له أن يزعم أن هذا معنى أصيل وهذا معنى طاريء كما يدعي أصحاب الحقائق والمجازات مع أن المأخذ واحد ... والقول بالتمييز ضرب من الكهانة كما قال ابن القيم ...

الحقيقة أن رأي ابن تيمية متفق مع أي منهج علمي صحيح في الدنيا ...

وما قلته عن أمر التبادر وانصراق الذهن فهذا ينبغي أن يفسر في دائرة علم النفس ... ولا ينبغي أن نستخلص منه تاريخ اللغة ... فانظر إلى تهافت القوم: تبادر المعنى في الذهن دليل على أنه موضوع أولا ..

ولابن تيمية نقد عنيف لكل معايير القوم في التحقق والتجوز .. ستراها قريبا إن شاء الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير