مثاله قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} يفهم منه أنه لا يجب جلدهما أكثر من مائة جلدة.
5 – مفهوم الحصر وهو أن يأتي المنطوق محصوراً بالنفي وإلا أو إنما كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إنما الأعمال بالنيات " وقوله " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " فيفهم منه نفي الحكم عما سوى المحصور فيه.
والحنفية يرون أن دلالة العصر من قبيل المنطوق لا من قبيل المفهوم ولذا يرون حجيتها.
6 – مفهوم اللقب: وهو تعليق الحكم بالاسم العلم مثل قولك قام زيد فإنه يفيد نفي القيام عن غيره.
وهذا المفهوم ضعيف جدا أكثر أهل العلم على عدم اعتباره بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك، وبعضهم رأى حجيته إذا دلت القرائن على انتفاء الحكم عن غير ذلك الاسم، وهم يريدون باللقب (كل اسم جامد سواء كان اسم جنس، أو اسم جمع، أو اسم عين: سواء كان لقبا أو كنية أو اسماً)
وأما بقية الأقسام فهي حجة عند الجمهور خلافا للحنفية وابن حزم من باب أولى.
واشترط الجمهور لحجية مفهوم المخالفة شروطاً:
الشرط الأول: أن لا يعارض هذا المفهوم منطوق أو قياس أو مفهوم موافقة يدل على خلاف المفهوم وبعبارة أخرى أن لا يوجد دليل خاص فيما سكت عنه يخالف المفهوم:
فمما عارضه منطوق:
قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا} مفهومه أنه مشروط بالخوف وعليه فلو لم يوجد هذا الشرط فإنه لا يقصر فهذا مفهوم المخالفة لكنه معرض بمنطوق وهو ما رواه يعلي بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب {ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فقد أمن الناس فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " رواه مسلم
مثال آخر: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إنما الماء من الماء " رواه مسلم
فهذا مفهوم مخالفة مفهوم حصر يقتضي بمفهومه انه عن لم ينزل الماء فلا غسل لكن هذا المفهوم معارض بمنطوق وهو حديث: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل " متفق عليه من حديث أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وفي رواية لمسلم: " وإن لم ينزل " وفي رواية لمسلم " ومس الختان الختان " فمنطوق هذا الحديث يوجب الغسل وإن لم ينزل.
وقد يكون المعارض لمفهوم المخالفة مفهوم موافقة مبني على معرفة العلة من المنطوق فعندها يقدم مفهوم الموافقة لأنه اقوى ولدلالة العلة
ومثال ذلك قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} فمفهوم المخالفة ان من لم يأكلها ولكن أتلفها أو أحرقها أنه لا يستحق الوعيد لكن هذا المفهوم معارض بمفهوم الموافقة الذي أخذ من العلة في التحريم وهي إضاعة مال اليتيم فيحرم الإحراق والإتلاف بمفهوم الموافقة.
وقد يكون المعارض قياس وقد اختلف هل يقدم القياس هنا أو مفهوم المخالفة والجمهور قدموا القياس خلافا للباقلاني.
ومثال ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " خمس فواسق يقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والحديا والغراب والكلب العقور " متفق عليه فهذا مفهوم عدد يفهم منه أنه لا يجوز قتل ما سوى هذه الخمس وهذا المفهوم مخالف بالقياس على المذكورات كل ما كان مؤذياً لأن العلة هنا هو حصول الأذى، وكونه يقتل ما في معناهن محل اتفاق كما قال النووي لكنهم اختلفوا في العلة التي من اجلها أمر بقتلهن فالشافعي يرى العلة كونهن مما لا يؤكل ولا يتولد مما يؤكل ومالك يرى العلة التأذي.
الشرط الثاني: أن لا يكون للقيد المذكور في النطق من صفة أو شرط أو عدد أو غاية أو حصر فائدة أخرى غير إثبات حكم للمسكوت خلاف حكم المنطوق ومن هذه الفوائد:
1 – أن يخرج مخرج الغالب: مثل قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم} فقوله اللاتي في حجوركم خرج مخرج الغالب أي أن الغالب في الربيبة أن تعيش في حجر زوج أمها ولا يعني هذا أنه لو لم تكن في حجره أنه يجوز له نكاحها فهذا القيد لا مفهوم له.
ويمكن أن يكون من هذا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة}
2 – أن يكون القيد لاستهجان واستقباح الفعل مثل قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} فقوله خشية إملاق قيد لا مفهوم له أي أنه يقتل ولده ليطمئن على طعامه ونفسه من الفقر وهذا أمر مستبشع قبيح، وربما يكون هذا مثالا للفائدة السابقة.
3 – أن يكون للتعظيم مثل قوله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم .. } الآية فمفهوم الآية وهو أنه يجوز أن في غير الأشهر الحرام غير معمول به وإنما ذكر لتعظيم هذه الأشهر.
4 – أن يكون القيد للامتنان مثل قوله تعالى: {هو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً} فوصف اللحم بكونه طريا لا مفهوم له وإنما خرج مخرج الامتنان.
والمقصود أن ينظر في هذا القيد هل له فائدة ومقصود آخر غير إرادة القيد والمفهوم أولا.
فهذا باختصار ما يتعلق بهذه المسألة والله أعلم
¥