ويندرج في هذا النوع البراءة الأصلية وهي ما يعبر عنها في القواعد الفقهية بقولهم (الأصل براءة الذمة) وهو يشمل براءة الذمة من الإلزام بالعبادات أو المعاملات أو حقوق الآدميين إلا بدليل، وبراءة الذمة جزء من العدم الأصلي العقلي والذي يعبر عنه في القواعد الفقهية بقولهم (الأصل العدم) وهي تشمل الإنسان والحيوانات والجمادات وغيرها بينما الأصل براءة الذمة تخص الإنسان.
حكمه: هذا النوع حجة باتفاق أهل العلم.
النوع الثاني: استصحاب حكم الأصل وهو الإباحة:
وهذا ما يعبر عنه الأصوليون بقولهم: (الأصل في المنافع الإذن) أو (الأصل في الأشياء الإباحة).
وهذا النوع حجة عند الأكثر من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة خلافاً لمن يرى أن الأصل في الأشياء الحظر كالأبهري من المالكية وبعض الشافعية، وذهب آخرون إلى الوقف كما هو قول الشيرازي من الشافعية والباجي من المالكية.
ويستثنى من هذه القاعدة الأبضاع والذبائح فالأصل فيهما التحريم لثبوت الدليل الشرعي بذلك.
النوع الثالث: استصحاب الدليل الشرعي وهو نوعان:
1 – استصحاب الثبوت حتى يرد الناسخ.
2 – استصحاب العموم حتى يرد المخصص.
حكمه: هذا النوع حجة باتفاق، لكن الأصوليين يختلفون في تسميته استصحاباً فالجمهور يسمونه استصحاباً، وذهب بعض الأصوليين كالجويني وتلميذه إلكيا الطبري والسمعاني في القواطع إلى عدم تسميته استصحاباً لكون الحكم ثبت له من جهة اللفظ في العموم أو طبيعة النص في المحكم لا من جهة الاستصحاب، والذي يظهر أن المسألة لفظية اصطلاحية لا يترتب عليها حكم كما أشار إلى ذلك الجويني في نهاية المسألة فلا مشاحة.
النوع الرابع: استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه حتى يرد ما يغيره:
وهذا ما يسميه ابن القيم _ رحمه الله _ بـ (استصحاب الوصف المثبت للحكم الشرعي)
مثاله: استصحاب الملك الثابت بالبيع أو الهبة أو الإرث حتى يرد ما يزيله من بيع أو هبة أو إرث أو نحوها، واستصحاب حكم الزوجية الثابت بالعقد حتى يرد ما يغيره من طلاق أو فسخ أو خلع، واستصحاب شغل الذمة بالقرض أو الضمان أو الكفالة الثابتة لسبب حتى يرد ما يزيلها، واستصحاب حكم الوضوء بعد الوضوء حتى يرد ما ينقضه، ويلتحق بهذا الحكم بتكرار اللزوم مع تكرر الأسباب الموجبة له كتكرر شهر رمضان وأوقات الصلوات ووجوب النفقة على الأقارب عند تكرر الحاجات.
حكمه: هذا النوع حجة عند الأكثر وحكي فيه الاتفاق لكن الأظهر أنه داخل في الخلاف السابق مع الحنفية.
النوع الخامس: استصحاب الحكم الثابت بالإجماع في محل النزاع:
إذا ثبت حكم في مسألة في حالةٍ معينة واتفق أهل العلم عليه ثم اختلفت الحالة وتغيرت صفتها فهل يستمر الحكم المجمع عليه ويستصحب إلى الحالة الثانية أو لا؟
أمثلة:
1 - أجمع أهل العلم على أن المرء إذا فقد الماء أن له أن يتيمم ويصلي بهذا التيمم لكن إن وجد الماء بعد شروعه في الصلاة فما الحكم؟
هل يقطع الصلاة ويتوضأ ويستأنف صلاته أو يتم الصلاة ويستصحب الحكم السابق المجمع عليه؟ قولان:
الأول: تبطل صلاته ويتوضأ ويستأنف الصلاة من جديد وهو قول أبي حنيفة وأحمد.
الثاني: لا تبطل الصلاة بل يستمر فيها استصحاباً لصحة الصلاة قبل الشروع فيها وهو قول مالك والشافعي.
2 – مسألة جواز بيع أم الولد حيث انعقد الإجماع على جواز بيع الأمة قبل أن تلد فهل يستصحب هذا الحكم فيجوز بيعها بعد أن تلد أولا؟ قولان:
الأول: أنه لا يجوز بيعها بعد أن تلد وهو قول الجمهور.
الثاني: يجوز بيعها بعد أن تلد وهو قول الظاهرية.
3 – مسألة وجوب زكاة الحلي حيث انعقد الإجماع على وجوب الزكاة في الذهب قبل أن يصاغ حلياً إذا بلغ النصاب فهل إذا صيغ الذهب حلياً يستصحب حكم الوجوب أولا؟ قولان:
الأول: أنه لا تجب فيه الزكاة وهو قول الجمهور وأكثر أهل العلم وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد.
الثاني: أنه تجب فيه الزكاة وهو قول أبي حنيفة والظاهرية.
وقد اختلف في هذا النوع من الاستصحاب على قولين:
¥