ج – الحكم بتضمين الصناع، وقد حكم به الخلفاء الراشدون حتى قال علي رضي الله عنه: " لا يصلح الناس إلا ذاك " أخرجه البيهقي، ووجه المصلحة فيه: أن الناس لهم حاجة إلى الصناع وهم يغيبون عن الأمتعة في غالب الأحوال، والأغلب عليهم التفريط وترك الحفظ، فلو لم يثبت تضمينهم مع مسيس الحاجة إلى استعمالهم لأفضى ذلك إلى أحد أمرين: إما ترك الاستصناع بالكلية، وذلك شاق على الخلق، وإما أن يعملوا ولا يضمنوا ذلك بدعواهم الهلاك والضياع فتضيع الأموال، ويقل الاحتراز وتتطرق الخيانة فكانت المصلحة التضمين، وهذا معنى قول علي رضي الله عنه: " لا يصلح الناس إلا ذاك "
د – تولية أبي بكر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عمر بن الخطاب رضي الله عنه خليفةً للمسلمين.
هـ ترك عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - الخلافة بعده شورى بين الصحابة.
و – ما فعله عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - من تدوين الدواوين، وعمل السكة للمسلمين، واتخاذ السجن.
4 – أن النصوص الشرعية محصورة والحوادث والوقائع غير محصورة ولا بد أن يوجد حكم لله تعالى في كل مسألة فكان لا بد من استنباط الأحكام من روح النصوص وقواعدها الكلية مما يتلاءم مع مقاصد الشارع، وهذا يكون عن طريق المصالح المرسلة.
5 – أنا إذا قطعنا بأن المصلحة الغالبة على المفسدة معتبرة في الشريعة، ثم غلب على ظننا أن هذا الحكم مصلحته غالبة على مفسدته فإنه يجب اعتباره؛ لأن العمل بالظن واجب شرعاً.
6 – أن العمل بالمصلحة المرسلة مما لا يتم الواجب إلا به فيكون واجباً.
7 – أنه ثبت بالاستقراء أن هذه الشريعة مبنية على المصالح للخلق في الدنيا والآخرة، وبناء الأحكام على المصالح المرسلة فيه تحقيق لمصالح الخلق فتكون حجة.
الترجيح: الأظهر في هذه المسألة هو القول الثاني، وهو أن المصلحة المرسلة حجة لكن وفق ضوابط معينة يأتي بيانها، وعند التحقيق نجد أن الفقهاء جميعاً في مختلف المذاهب يعملون بها.
قال القرافي: (المصلحة المرسلة في جميع المذاهب على التحقيق؛ لأنهم يقيسون ويفرقون بالمناسبات، ولا يطلبون شاهداً بالاعتبار ولا نعني بالمصلحة المرسلة إلا ذلك) وقال ابن دقيق العيد: (نعم، الذي لا شك فيه أن لمالك ترجيحاً على غيره من الفقهاء في هذا النوع، ويليه أحمد بن حنبل، ولا يكاد يخلو غيرهما عن اعتباره في الجملة، ولكن لهذين ترجيح في الاستعمال على غيرهما)، وقال الشنقيطي: (جميع المذاهب يتعلق أهلها بالمصالح المرسلة، وإن زعموا التباعد عنها)
ولكنهم يختلفون في النظر إليها فالمالكية يعدونها دليلاً مستقلاً، والجمهور من الشافعية والحنابلة وأحد الأقوال عند الحنفية يدرجونها تحت القياس، وبعض الحنفية يدخلها تحت الاستحسان، وبعضهم كالغزالي يرجعها لمقصود الشارع الذي دل عليه الكتاب والسنة والإجماع.
خامساً: سبب الخلاف في حجية المصلحة المرسلة:يرجع سبب الخلاف في ذلك إلى أمور:
الأمر الأول: أن من أنكر حجية المصلحة المرسلة خلط فيها بين النوعين المسكوت عنهما وهما: ما ظهرت ملاءمته للشريعة وهو (المصلحة المرسلة) المحتج بها عند المالكية ومن وافقهم، وما لم تظهر ملاءمته وهو (المناسب الغريب) الذي اتفق على عدم الاحتجاج به كما سبق، وهذا يظهر من تعريفات المنكرين لحجيتها كالباقلاني والآمدي وابن الحاجب والبيضاوي والأسنوي.
الأمر الثاني: خشية كثير من أهل العلم اتخاذ المصالح وسيلة لتحقيق المصالح الخاصة والقول في الدين بالتشهي والرأي المجرد.
الأمر الثالث: خشية كثير من أهل العلم من الابتداع في الدين بحجة المصلحة المرسلة.
الأمر الرابع: ما اشتهر عن الشافعي رحمه الله من إنكار الاستحسان وأنه أخذٌ بالتشهي، وتشريع بمحض الرأي، والاستحسان قريب من المصلحة والفرق بينهما دقيق.
ولأجل ما سبق وضع العلماء ضوابط للاحتجاج بالمصلحة المرسلة.
سادساً: ضوابط العمل بالمصلحة المرسلة:سبق أن المصلحة المرسلة هي المصلحة المسكوت عنها في الدليل الخاص لكنها ملاءمة لمقصود الشارع وتندرج تحت قواعد كلية شرعية استقرئت من مجموع النصوص فهذه المصلحة ذكر لها العلماء ضوابط وقيوداً وهي:
1 – أن لا تصادم المصلحة نصاً خاصاً من كتابٍ أو سنةٍ، وأن لا تصادم الإجماع.
2 – أن تكون معقولة المعنى في ذاتها.
3 – أن يكون من يحتج بالمصلحة المرسلة مجتهداً توفرت فيه شروط الاجتهاد.
4 – أن لا تعارض المصلحة مصلحة أرجح منها، أو يترتب على العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها.
5 – أن لا تكون المصلحة في باب العبادت سداً لباب الابتداع في الدين.
وبعض الأصوليين كالغزالي يشترط فيها أن تكون في رتبة الضروري وأحياناً يضيف الحاجي وهو ما يفهم من كلام الشاطبي، والأظهر هو عدم اشتراط ذلك.
كما اشترط الغزالي وبعض الأصوليين كون المصلحة عامة وليست مصلحة فردية.
فهذا ما يتعلق بهذه المسألة باختصار ولعله يكون في الوقت فرصة لزيادة تفصيل فيها والله الموفق
¥