ومعنى هذا أن يكون عندنا دليل كلي عام في حكم ما يشبه هذه المسألة وعندنا دليل خاص بهذه المسألة فنقدمه على الدليل العام، وهذا الدليل العام قد يكون نصاً من قرآن أو سنة وقد يكون إجماعاً وقد يكون قياساً بالمعنى الخاص وهو إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة تجمع بينهما، وقد يكون مصلحة وقد يكون عرفاً.
وقد يعبر بعضهم كما ذكرت بلفظ (القياس) مكان الدليل الكلي ويكون المراد بالقياس هنا الأصول والقواعد العامة التي جاءت بها الشريعة في هذا النوع من المسائل فالقياس مثلا أن الغرر منهي عنه في المعاملات، والقياس رفع الحرج والتيسير على الخلق، والقياس أن المرأة كالرجل والقياس ضمان المثلي بالمثل .... وهكذا وهذا القياس قد يكون دليله القرآن أو السنة أو الإجماع.
ولذلك حينما يقول الحنفية بتقديم القياس على خبر الآحاد مثلاً حينما يرويه غير الفقيه فهم يريدون هذا المعنى لا المعنى الخاص للقياس.
ثانياً: المصلحة تدخل تحت الاستحسان كنوع من أنواعه كما أشرتَ في تقسيم أنواع الاستحسان ويعبرون عنه بقولهم الاستحسان بالضرورة والحنفية يعتبرون ذلك من الملائم المرسل في باب القياس ومن الضرورة في باب الاستحسان، وكذا الشافعية منهم من يجعل المصلحة من القياس ومنهم من يجعلها مستقلة، وكذا بعض الحنابلة.
وينظر: الاستصلاح والمصالح المرسلة للشيخ مصطفى الزرقا (ص 26)
ثالثاً: التعارض بين الأدلة عموما وارد كالتعارض بين النصوص فيما بينها، والتعارض بين النصوص والأدلة العقلية كالقياس والمصلحة و نحوهما، والتعارض بين الأدلة العقلية فيما بينها، والتوفيق بينها عند التعارض باب طويل ينظر في باب التعارض والترجيح في نهاية مسائل أصول الفقه عند الجمهور.
رابعاً: تعارض المصلحة مع القياس أو تعارض المناسب الغريب مع القياس فيه أمران:
أحدهما: في تحديد المراد بالقياس هل هو المعنى الخاص الذي هو (إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة تجمع بينهما) أو هو بالمعنى العام الذي هو القواعد والأصول العامة في الشريعة كما سبق.
الثاني: النظر في قوة المصلحة من جهة القطعية والظنية ومدى قدرتها على إسقاط القياس بالمعنى الخاص أو إسقاط القياس لها واعتبارها من قبيل المناسب الغريب، أو تخصيصها للقياس بالمعنى العام ويكون عندئذ من قبيل الاستحسان كما سبق.
وقد ذكر بعض الأصوليين لهذا أمثلة ومن ذلك ما ذكره الزركشي في البحر المحيط (6/ 81) حيث قال: (تنبيه: حيث اعتبرنا المصالح عندنا بالمعنى السابق فذلك حيث لم يعارضها قياس، فإن عارضها خرِّج للشافعي رحمه الله فيها قولان من القولين فيما إذا وقع في الماء القليل ما لا نفس له سائلة .... ) وينظر بقية الأمثلة في المصدر المذكور.
وينظر أيضاً ما ذكره الشاطبي في الموافقات (4/ 194) حيث يقول: (المسألة العاشرة:
النظر فى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ... ) إلى أن قال: (مما ينبني على هذا الأصل قاعدة الاستحسان وهو في مذهب مالك الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي ومقتضاه الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس فإن من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهيه وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة في أمثال تلك الأشياء المفروضة كالمسائل التي يقتضى القياس فيها أمرا إلا أن ذلك الأمر يؤدي إلى فوت مصلحة من جهة أخرى أو جلب مفسدة كذلك وكثير ما يتفق هذا في الأصل الضروري مع الحاجي والحاجي مع التكميلي فيكون إجراء القياس مطلقا في الضروري ... ) إلى آخر كلامه وفيه حكم ما إذا تعارضت المصلحة مع الأدلة والنظر إليها من جهة القطعية والظنية. وينظر الموافقات (3/ 298)
ـ[أبو الفضل مهدي المغربي]ــــــــ[31 - 10 - 07, 03:38 ص]ـ
بارك الله لك ياشيخنا في علمك ومالك وولدك , فوالله إني لأتمتع بكتاباتك و كلامك , وعندي من الاستفسارات الكثير ولكن الاشتغال بالأولى أولى في هذا الزمان.
وجزاك الله خيرا على ما وضحت لنا.
¥