جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً» رواه البخاري في «صحيحه» بهذا اللفظ في كتاب «السلام» وعن أبي حميد وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أنه وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال «ثم هوى ساجداً ثم ثنى رجله وقعد حتى رجع كل عظم موضعه ثم نهض، وذكر الحديث» فقالوا صدقت، رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح وإسناد أبي داود إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد سبق بيان الحديث بطوله في الركوع والجواب عن حديث المسيىء صلاته أن النبي إنما علمه الواجبات دون المسنونات، وهذا معلوم سبق ذكره مرات، وأما حديث وائل فلو صح وجب حمله على موافقة غيره في إثبات جلسة الاستراحة لأنه ليس فيه لبعض بتركها، ولو كان صريحاً لكان حديث مالك بن الحويرث وأبي حميد وأصحابه مقدماً عليه لوجهين أحدهما صحة أسانيدها والثاني كثرة رواتها، ويحتمل حديث وائل أن يكون رأى النبي صلى الله عليه وسلم في وقت أو روينا تبينا للجواز، وواظب على ما رواه الأكثرون، ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث بعد أن قام يصلي معه ويتحفظ العلم منه عشرين يوماً، وأراد الانصراف من عنده إلى أهله «اذهبوا إلى أهليكم ومروهم وكلموهم وصلوا كما رأيتموني أصلي» وهذا كله ثابت في «صحيح البخاري» من طرق فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هذا وقد رآه يجلس الاستراحة فلو لم يكن هذا هو المسنون لكل أحد لما أطلق صلى الله عليه وسلم قوله «صلوا كما رأيتموني أصلي» وبهذا يحصل الجواب عن فرق أبي إسحاق المروزي من القوى والضعيف، ويجاب به أيضاً عن قول من لا معرفة له ليس تأويل حديث وائل وغيره بأولى من عكسه وأما قول الإمام أحمد بن حنبل إن أكثر الأحاديث على هذا، ومعناه أن أكثر الأحاديث ليس فيها ذكر الجلسة إثباتاً ولا نفياً، ولا يجوز أن يحمل كلامه على أن مراده أن أكثر الأحاديث تنفيها لأن الموجود في كتب الحديث ليس كذلك، وهو أجل من أن يقول شيئاً على سبيل الإخبار عن الأحاديث ونجد فيها خلافه، وإذا تقرر أن مراده أن أكثر الروايات ليس فيها إثباتها ولا نفيها لم يلزم رد سنة ثابتة من جهات عن جماعات من الصحابة وأما قول الطحاوي أنها ليست في حديث أبي حميد فمن العجب الغريب!! فإنها مشهورة فيه في «سنن أبي داود» والترمذي وغيرهما من كتب السنن والمسانيد للمتقدمين، وأما قوله لو شرعت لكان لها ذكر، فجوابه أن ذكرها التكبير فإن الصحيح أنه يمد حتى يستوعبها ويصل إلى القيام كما سبق، ولو لم يكن فيها ذكر لم يجز رد السنن الثابتة بهذا الاعتراض والله أعلم
وقال العلامة شيخ الإسلام الألباني-رحمه الله-في تمام المنة (ص:211):
قوله –أي سيد سابق-رحمه الله- (وسائر من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذه الجلسة و إنما ذكرت في حديث أبي حميد ومالك بن الحويرث) قلت: حديث أبي حميد فيه وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه الجلسة بحضرة عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و في آخره قالوا:صدقت هكذا كان يصلي صلى الله عليه وسلم
أخرجه أصحاب السنن وغيرهم وهو مخرج في الأرواء (305) فليس الحديث من رواية أبي حميد و ابن الحويرث فقط كما يوهمه الكلام المذكور عن ابن القيم وإنما معهما عشرة آخرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شاهدوا صلاته صلى الله عليه وسلم وقليل من السنن يتفق على روايتها مثل هذا الجمع الغفير من الصحابة رضي الله عنهم
وإذا الأمر كذلك فيجب الأهتمام بهذه الجلسة والمواظبة عليها رجالا ونساء وعدم الالتفات لأى من يدعي أنه صلى الله عليه وسلم فعلها مرضا أو سن لأن ذلك يعني أن الصحابة ما كانوا يفرقون بين ما يفعله صلى الله عليه وسلم تعبدا وما يفعله لحاجة وهذا باطل بداهة
قوله عن الإمام ابن القيم (ولو كان هديه صلى الله عليه وسلم فعلها لذكرها كل واصف لصلاته)
قلت: هذا الكلام غريب جدا من مثل هذا الإمام فإنه لازمه التهوين من السنن كلها لأنه ليس فيها سنة يمكن أن يقال اتفق على ذكرها كل واصف لصلاته يعلم ذ لك من له عناية خاصة بتتبع السنن وطرقها ولا أدري –والله-كيف ينقل المؤلف هذا الكلام ويمر عليه دون أن يعلق بشيء يدل على ما فيه من الخطاء مما يدل على أرتضائه له و موافقته عليه فانظر ما يلزمه من توهين السنن التي ساقها المؤلف في كتابه فإن وضع اليمين على الشمال مثلا ودعاء التوجه و الاستعاذة والتأمين والقراءة والذكر في الركوع والذكر في السجود والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه السنن التسع لم يذكرها أبو حميد ومن معه من الصحابة في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم وكذلك لم يذكرها غيرهم أفيلزم من ذلك رد هذه السنن الهم لا و لذلك رد الحافظ قول ابن القيم هذا بقوله في الفتح: فيه نظر فإن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف و إنما أخذ مجموعها من مجموعهم) وذكر مثله الشوكاني (2/ 226) وهو الحق الذي لا ريب فيه
قوله (ومجرد فعله صلى الله عليه وسلم لها لا يدل على أنها من سنن الصلاة إلا إذا علم أنه فعلها سنة فيقتدى به)
قلت:قد علمنا أنه فعلها سنة وتشريعا من وجوه
الأول: أن الأصل عدم العلة فمن ادعاها فعليه إثباتها
الثاني: أن أحد رواة هذه السنة مالك بن الحويرث وهو راوي حديث صلوا كما رأيتموني أصلي _فحكايته لصفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت الأمر انظر الفتح ونيل الأوطار
الثالث:أنه رواها جماعة من الصحابة كما تقدم في حديث أبي حميد ويستحيل عادة أن يخفى عليهم أنه إنما فعلها للحاجة لو كان الأمر كذلك ولو سلمنا بإمكان ذلك عادة فإنه لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم خفاء ذلك عليهم وحينئذ كان ينبههم علىذلك فإذ لم يكن شيء مما ذكرنا فهو دليل واضح على أنه إنما فعلها للعبادة لا للحاجة -انتهى كلام شيخ الإسلام الألباني-رضي الله عنه ورحمه –
ولا أظن أن منصفا يرفضه
والحمد له رب العالمين
¥