قلت: و مما يرجح رواية أيوب على غيرها، أنّ كُتُب أبي قلابة كانت عنده، لأنه أوصى له بها، فحملت إليه.
و أما حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، فورد من وجهين؛
- أحدهما عن محمد بن عمرو بن عطاء
- و الآخر عن عباس بن سهل الساعدي
و قد رواها عن محمد بن عمرو بن عطاء، محمد بن عمرو بن حلحلة، كما في صحيح البخاري و غيره، و لم يذكر جلسة الإستراحة لا نفيا و لا إثباتا.
و إنما انفرد بذكرها عنه عبد الحميد بن جعفر، و هو و إن وثق، إلا أنهم تكلموا فيه.
قال النسائي (الضعفاء و المتروكين 1/ 72): " ليس بالقوي "
و قال أبو حاتم: " لا يحتج به " و كذا في (الميزان 4/ 347): " كان يحيى القطان يروي عنه و يضعفه "
و قد اختصر الحافظ ابن حجر ترجمته فقال في (التقريب 1/ 333):
" صدوق رمي بالقدر، و ربما وهم. "
قلت: لا شك أنه وهم في ذكر جلسة الإستراحة؛ فإنه لم يذكرها أحد ممن روى حديث أبي حميد الساعدي، سواء من طريق محمد بن عمرو بن عطاء أو من طريق عباس بن سهل.
و أما نفي جلسة الإستراحة، فرواها عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمروبن عطاء عن عباس بن سهل، عن أبي حميد، و هي عند أبي داود و غيره ..
و قد انتقد الطحاوي و ابن القطان، بسبب هذا الحديث، حديثَ محمد بن عمرو الأول الذي يرويه مباشرة عن أبي حميد، و قالا بأن بينهما رجل، و حكما عليه بالإنقطاع. و تعقبهما ابن حبان و البيهقي و ذكرا بأنّ محمد بن عمرو سمع الحديث من أبي حميد و من عباس بن سهل، وقالا: أنّ الطريقين محفوظان.
لكن الحافظ ابن حجر ردّ ذلك – في (التلخيص 1/ 223) – و قال:" السياق يأبى ذلك كل الإباء. قال: و التحقيق عندي؛ أنّ محمد بن عمرو الذي رواه عطاف بن خالد عنه، هو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني ... "
قلت: لكن سياق الحديث يأبى هذا التحقيق كل الإباء؛ فقد جاء في السند هكذا: " ... عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بني مالك عن عباس ... إلخ ". (انظر سنن أبي داود الحديث رقم 733)
و كأنّ الحافظ تنبه لذلك، فسلك في (الفتح 2/ 307) مسلكا آخر أقرب لسياق الروايات و ظاهر ألفاظها، فقال:" ... فكأنّ محمدا (بن عمرو بن عطاء) شهد هو و عباس (بن سهل) حكاية أبي حميد بالقول، فحملها عنه مَنْ تَقَدّم ذكره. و كأنّ عباسًا شهدها وحده بالفعل فسمع ذلك منه محمد بن عطاء، فحدث بها كذلك ... " اهـ
قلت: و هذا يقوي الرواية النافية لجلسة الإستراحة؛ فإنّ محمد بن عطاء رواها عن عباس و لم ينكر منها شيئًا. و لو كان فيها ما يخالف ما سمعه من أبي حميد لنبّه عليه.
هذا، و قد سلك ابن القيم رحمه الله في (حاشيته على أبي داود) مسلكا آخر، فقال:
" ... وإنما وقع هذا لما رواه محمد بن عمرو عن أبي حميد ورواه العباس بن سهل عن أبي حميد خلط بعض الرواة وقال عن محمد بن عمرو عن العباس وكان ينبغي أن يقول وعن العباس بالواو ويدل على هذا أن عيسى بن عبدالله قد سمعه من عباس كما في رواية ابن المبارك فكيف يشافهه به عباس بن سهل ثم يرويه عن محمد بن عمرو عنه فهذا كله بين أن محمد بن عمرو وعباس بن سهل اشتركا في روايته عن أبي حميد فصح الحديث بحمد الله وظهر أن هذه العلة التي رمى بها مما تدل على قوته وحفظه وأن رواية عباس بن سهل شاهدة ومصدقة لرواية محمد بن عمرو وهكذا الحق يصدق بعضه بعضا ". اهـ
قلت: كلام مقبول، لولا ما ورد من بعض الطرق بلفظ: " حدثني عباس بن سهل". انظر (موارد الظمآن 1/ 134) حديث رقم (496) و السنن الكبرى للبيهقي (2/ 101) حديث رقم (2475).
و حتى على هذا التأويل، فإنّ فيه تقوية لحديث عباس النافي لجلسة الإستراحة. لأنه كما أن رواية عباس تصدق رواية محمد بن عطاء، فكذلك رواية محمد بن عطاء تصدق رواية عباس بن سهل.
ملاحظة: ورد حديث عباس بن سهل من بعض الطرق – و هي عند البيهقي و ابن حبان – هكذا: ... عن محمد بن عمرو بن عطاء حدثني مالك حدثني عباس بن سهل ... إلخ. جعل بعض الرواة بين محمد و عباس مالكا. و هذا خطأ سببه تصحف عبارة " عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بني مالك ".
و خلاصة ما سبق من البحث:
¥